لست أناقش ديكارت في ثنائية المواد فهو كلام فلسفي بحت ولكن تبقى عبارته كعالِم له وزنه قديماً وحديثاً جعل الوجود الإنساني مرتهناً بالتفكير ومهما كان القصد إلا أننا نعبّر عن ذلك مجازياً وإلا فالجماد أقرب إليك فليس للصدفة مكان في زوايا العقل ومراتبه.
بمَ تفكر؟!
تدخلك الذاكرة في أتون المعارك الفكرية التي تعتبر البنية التحتية للتطور البشري والصراعات العقلية التي لا تنتهي ولكن يتمايز فيها من تستوعب مفكرته العقلية جوانب الصراع بمهارة التفكير الآمن والذاكرة الحيَّة بحيث تضمن الخروج بشكل مثالي وكل ذلك يهيئ للمجتمع أرضيّة خصبة من التطور المتوازي نحو إثبات الوجود الفردي والجماعي!
مسألة أن الذاكرة يتغيّر حجمها والدماغ يتمدَّد حين يزداد التفكير والإمعان فيه كانت محل جدل كبير في مطلع القرن الثامن عشر ولم يكن عالم الطبيعة السويسري شارل بونيه والبيمونتي مالاكارني في تصريحهما عن تجربة الكلاب والطيور إلا رأي لم يجد له صدى في الأوساط العلمية حتى أعلن الفيلسوف ألكسندر بين سنة 1872م حقيقة ذلك وأن الذاكرة يتغيّر حجمها حين يزداد التفكير.
يقول ليف تولستوي (حبا الله الإنسان وسيلة واحدة فقط، يمكنه بها أن يتعرّف على نفسه ويكتشف عالمه بالعالم وما من وسيلة أخرى سواها وهي: العقل ...)
اكتشاف النفس تحتاج إلى وقت وقد يكون طويلاً لذلك عملية النضج العقلي إنما تكون في سن متقدمة تقريباً بخلاف صغار السن حين ننعتهم بقلة العقل وضعف المسؤولية حين تكون تصرفاتهم عشوائية دون تفكير وفوضوية ما عدا قلة قد تكون قدراتهم العقلية أشدّ نضجاً حتى عمن يكبرهم سنّاً وما ذاك إلا من التفكير والتدبر والأناة الذي يحظى بهم الكبار ولكن لماذا الكبار فقط؟! قد تكون هناك أمور فسيولوجية ينتجها العقل في سن معينة وقد يكون إشباع النفس يجعل العقل أكثر رويّة من قبل فالصغير قد لا ينتظر مهلة التفكير كثيراً بحيث يجعل من الأناة سمة بارزة له وحتى من كان طبعه البرود أو الثقل ففي مسائل التفكير وإعمال العقل قد يكون بليداً وبليداً جداً لعدم إشباع النفس بما يكفي أن تطمئن مما يجعله أكثر تمهلاً في إمعان العقل للتفكير لذاك قد يكون ثقيلاً وبارداً في أعضاء الجسم الأخرى فحسب ولكنه يتساوى في العقل مع أقرانه الآخرين، ثمة أمور لا غنى عنها يكون العقل فيها حاسماً وقوياً حين يشتد إمعانه في التفكير ويتخذ قراره بشكل صحيح لأن ليس كل العقليات لها نفس التفكير سواء سلباً أو إيجاباً وإنما هناك اختلاف في وجهات النظر التي تعني بعضها عدم الاستغراق في التفكير والتوقف عند حدود معينة وبالتالي استمرار بعض الأيديولوجيات عنده التي استمرأت عليها الشعوب والمجتمعات والمعتقدات الدينية والأسطورية دون المساس أو القرب من حقيقتها وكينونتها حتى يُظن بمن يجرؤ على ذلك أنه ارتكب كبيرة ومن أكبر الكبائر التي تُدخله النار وبئس المصير! لذلك يظل الكثير منها في غيبوبة حضارية بسبب محاربة الفكر والتفكر والإدلاء أو التصريح بالخروج عن النص وإن كان في المجال المتاح أو ما يوافق تلك الشرائع أقول حين يتخذ قراره بشكل صحيح فإنه يجعل العقل كما أُريد له أن يكون وهذا يجعل أحياناً بعض العقول تتمايز عن غيرها بقوة التفكير وجرأته النادرة ولكن يبقى أن تتوافق معه عقول كثيرة حتى يصنع حضارة متفوّقة!
** **
- زياد بن حمد السبيت