علي الخزيم
من المسلمات والبديهيات أن جميع البشر كانوا نتيجة علاقات جنسية بين الآباء والأمهات، وكل مِنَّا حين زواجه يقيم الأفراح ويعلن الزواج، فلِمَ نخشى ونخجل إذا جاء الحديث على كلمات تشير لعملية التزاوج ونُغَلِّفها بأدبيات وجُمل ساترة تُفْضي إلى ذات المعنى؟! هو الذوق العام وآداب المجتمع والحفاظ على رونق وروابط الزواج وحمايتها من الخدش والزلل، غير أن اللافت هو المبالغة بهذا التأنق والتنطع بالحديث عن أسرار المخادع وكأنها غائبة عن البقية، فالتَّبسط بالحديث عنها أحياناً يكون ضرورياً لإيصال معلومة طبية أو شرعية ونحوها، وكذا الحديث بها بين العقلاء ومن يدركون الأبعاد والمقاصد المرادة، أما الإسفاف وسردها استظرافاً وكشفاً سافراً لتفاصيل ما لا يلزم؛ فهو ممجوج ولا يوحي بالحصافة والرزانة، ويُنظر لصاحبه نظرة ازدراء.
والتدرج بالنقاط ذات العلاقة يستدعي استحضار الكلام عن موانع الحمل والمنشطات الجنسية والكلمات المتعلقة بالتجاوزات الشرعية لا سيما بالمحاكم للحكم على مُقترف الذنب، ويمكن الاستدلال بتحاور خاتم الرسل مع الرجل الذي جاءه معترفاً بارتكاب جريمة الزنا؛ فقد سأله بكلمات ذات دلالات عامة بمقدمات زنى الجوارح، وخلص بأن سأله بكلمة واضحة صريحة لا تقبل الشك بالممارسة الحقيقية، والكلمة فصيحة مفهومة عند العرب قبل الإسلام وبعده، وهي مجازة الآن من مجمع اللغة العربية، لم يتردد رسول الهدى بطرح الكلمة على مسامع الرجل والحضور من الصحابة ولم يعترضوا أو يستغربوها، لغة العرب أجمل وأجزل من أن تضيق بمفردة أو عبارة، فلماذا نُضّيِّق واسعاً ونكثر التحذلق بغير موضعه، الوقار والأدب من شيم العرب بوقته ومكانه المناسب، والقرآن الكريم والسنة المطهرة تحدثاً عن العلاقة الزوجية الحميمة بوضوح وكذا الحمل والولادة والرضاعة والنفاس والعادة الشهرية عند النساء؛ فمن نحن حتى نزعم الترفع عن بعض خلجات أنفسنا ونحن في قرارتها نحبها ونسعى إليها، بل ربما أنها عند البعض هي الهاجس والهدف الرئيس.
اقرأ حديث جابر: (كنا نعزل والقرآن ينزل فبلغ ذلك النبي? فلم ينهنا)، وقوله تعالى 57 الواقعة: {أَفَرَأَيْتُم مَّا تُمْنُونَ، أَأَنتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ}، وقوله سبحانه 222 البقرة: {نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُواْ لأَنفُسِكُمْ} وغيرها من الآيات الكريمات.
سأل مشاهد الشيخ على الطنطاوي رحمه الله، عن مثل هذه المسائل بقوله: مارست المباح مع زوجتي أكرمك الله، الخ؟ فاعترضه الشيخ ضاحكاً: بل اللهم زدنا منه طالما أنه بالحلال! وبمجلس حدثنا متخصص يعمل بصيدلية تجارية؛ قال: إن بعض الرجال من المسنين يقفون بسياراتهم متلثمين أمام المحل وأشاهدهم من خلف الزجاج يرسلون أطفالهم بورقة فأجد بها طلب منشط جنسي معين، أو يرسلون سائق العائلة، والبعض ممن تشجعوا يطلب أكثر من علبة معللاً ذلك بأنه لصديقه الخجول الذي لا يصرح بهذا الأمر المباح، ومن الأمثلة حين يَقْدُم أحد الزوجين من سفر؛ فيُسَلِّم على الأسرة ما عدا الزوج فيؤجَّل بدعوى العيب أمام الأهل والأطفال، وأرى أنهم لو فعلوا العكس (بتلطف) لكان درساً بليغاً للإلفة والمودة.