أبو عبدالرحمن ابن عقيل الظاهري
قال أبو عبدالرحمن: الإتقان الذي هو إحسان: ينتج في القلب بهجة في الموضوع يعبّر عنه بالجميل والحسن؛ وجاذبية الحسن مقرّها القلب سواء أسرت العقل ثم استقرّت في القلب، أم أسرت القلب ثم لا يبالي القلب أكان ذلك الأسر معقولاً أو غير معقول؟؛ وها هنا تحقيق حول (أم)، والواو المجرّدة.. قال ابن هشام رحمه الله تعالى في كتابه (مغني اللبيب عن كتب الأعاريب) بتحقيق الدكتور (مازن المبارك)، و(محمد علي حمدالله)؛ ومراجعة (سعيد الأفغاني)/ دار الفكر/ طبعتهم الأولى عام 1421هجريا - ص36-46: «إذا عطفت بعد الهمزة بأو: فإن كانت همزة التسوية لم يجز قياساً، وقد أولع الفقهاء وغيرهم بأن يقولوا: سواء كان كذا أو كذا؛ وهو نظير قولهم: يجب أقلّ الأمرين من كذا أو كذا.. والصواب العطف في الأول بأم، وفي الثاني بالواو؛ وإن كانت همزة الاستفهام: جاز قياساً العطف بالواو نحو: أزيد عندك أو عمرو؟» اهـ باختصار غير مخل))؛ وأما ميل الروح في الحب: فقد يكون عن جاذبية الجمال، وقد يكون عن جاذبيةٍ غير معللةٍ كما قال (محمد بن داوود الظاهري) رحمهما الله تعالى:
وما الحب من حسنٍ ولا من سماجةٍ
ولكنّه شيء به الروح تكلف
البيت ليس في الزهرة، وليس في أوراق من ديوان (محمد بن داوود الظاهري)، دراسة وتحقيق الدكتور (نوري حمودي القيسي)/ طبع في العراق عام 1931هـ جرياً.. وقد قال (ابن الرومي) مما يدخل في هذا الباب:
يسهل القول: إنها أجمل الأشياء
(م م م) طرّا ويصعب التحديد
قال أبو عبدالرحمن: بل يكون الحبّ عن حسنٍ أحياناً، ولكنّ ذلك ليس شرطاً دائماً؛ واستحسان المرأة يكون بالبصر واللمس والسمع والأنف؛ فكم من خنّة أو لثغة أو جزالةٍ في أداء الكلام هوّنت من شأن صورة ينجذب إليها البصر، وكم من رائحةٍ قبيحةٍ نفّرت عن كلّ جمالٍ منظور ومسموع وملموس؛ والحسن صالحٍ لما تستحسنه العين، ولما يستحسنه العقل.. إلا أن الأول غلب في استعمال الناس، والثاني غلب في نصوص القرآن الكريم.. قال (الراغب الأصفهاني) رحمه الله تعالى: «والفرق بين الحسن والحسنة والحسنى: أن الحسن تقال في الأعيان والأحداث؛ وكذلك الحسنة إذا كانت وصفاً؛ وإذا كانت اسماً فمتعارف في الأحداث، والحسنى لا تقال إلا في الأحداث دون الأعيان؛ والحسن أكثر ما يقال في تعارف العامة في المستحسن بالبصر.. يقال: رجل حسن وحسّان، وامرأة حسناء وحسّانة.. وأكثر ما جاء في القرآن من الحسن فللمستحسن من جهة البصيرة؛ وقول الله سبحانه وتعالى: {الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ} (18) سورة الزمر [سورة الزمر: 18]: أي الأبعد عن الشبهة كما قال صلى الله عليه وسلم: «إذا شككت في شيءٍ فدع» [ ورد بمعناه عن أبي أمامة رضي الله عنه: أن رجلا سأل رسول الله عن الإثم؟.. قال: إذا حاك في نفسك شيء فدعه.. أخرجه الإمام (أحمد بن حنبل) رحمه الله تعالى 5-252 [صفوان/ محقق (المفردات للراغب)].
قال أبو عبدالرحمن: قال ابن رجب في (جامع العلوم والحكم) 2-95 - ط مؤسسة الرسالة / الطبعة الثانية عام 1419هجرياً بتحقيق (شعيب الأرناؤوط)، و(إبراهيم باجس).. وط دار السلام بالقاهرة/ طبعتهم الأولى عام 1998 ميلاديا بتحقيق الدكتور (محمد الأحمدي أبو النور) 2-731: «هذا إسناد جيد على شرط مسلم؛ فإنه خرّج حديث يحيى بن أبي كثير: عن زيد بن سلام؛ وأثبت أحمد سماعه، وإن أنكره ابن معين»، وانظر (المصنف) لـ(عبدالرزاق) 11-126 برقم 20104 بتحقيق (حبيب الرحمن الأعظمي)/ المكتب الإسلامي ببيروت/ الطبعة الثانية عام 1403هجرياً)؛ وقد صدرت طبعة لغير (الأعظمي) هي أكمل، وأصحّ تحقيقاً، و(صحيح ابن حبان) بترتيب (ابن بلبان) 1-402-403 برقم 176بتحقيق (شعيب الأرناؤوط)/ مؤسسة الرسالة/ الطبعة الثالثة عام 1418هجريا، و(المستدرك على الصحيحين) لـ(الحاكم) 1-59 برقم 33 بتحقيق (مصطفى عبدالقادر عطا)/ توزيع دار عباس الباز بمكة المكرمة/ دار الكتب العلمية/ طبعتهم الأولى1411 هجريا).. وورد ما يقرب من اللفظ الذي ذكره (الراغب)، وهو ما رواه الحافظ (أبو بكر عبدالله بن محمد بن أبي شيبة) [- 235 هجريا] في مصنّفه 2-442-دار الفكر ببيروت/ طبعتهم الأولى عام 1409هجريا بتحقيق (سعيد محمد اللحام) موقوفاً على ابن عباس رضي الله عنهما.. قال (ابن أبي شيبة): «حدثنا ابن فضيل: عن الأعمش: عن مسلم بن صبيح قال: جاء رجل إلى ابن عباس [رضي الله عنهما]؛ فقال له: متى أدع السحور؟؛ فقال رجل جالس عنده: كل حتى إذا شككت فدعه.. فقال ابن عباس [رضي الله عنهما]: كل ما شككت حتى لا تشك»؛ وقال ص 441: «حدثنا أبو معاوية: عن الأعمش: عن مسلم قال: جاء رجال إلى ابن عباس [رضي الله عنهما] يسأله عن السحور، فقال له رجل من جلسائه: كل حتى لا تشك.. فقال له ابن عباس [رضي الله عنهما]: إن هذا لا يقول شيئا.. كل ما شككت حتى لا تشك»]؛ وقال ربنا سبحانه وتعالى: {وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً} [البقرة/ 83] أي كلمة حسنة؛ وقال ربنا سبحانه وتعالى: {وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا} [سورة العنكبوت/ 8]، وقوله عز وجل:{قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلاَّ إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ } [سورة التوبة/ 52]، وقوله سبحانه تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ} [سورة المائدة/ 50]..وللحديث بقية، وهو الخلاصة الحاسمة.. فإلى لقاء قريب إن شاء الله تعالى، والله المستعان.