الرياض - خاص بـ«الجزيرة»:
نبَّه باحث في العلوم الشرعية إلى خطورة تتبُّع الرُّخَص وسقطات العلماء؛ فهو أمر لا يجوز، ويؤدي إلى الانسلاخ من الدين وضياعه. وللأسف أخذ بعض مَن ينتسب للعلم بتتبُّع بعض الأقوال الشاذة التي لم يسعفها الدليل زعمًا منه أن ذلك من قبيل اليسر وسماحة الشريعة.. وهذا زعم باطل. وإن الواجب على المفتي أن يفتي بالكتاب والسنة، سواء وافق أهواء الناس أم لا.
وقال الدكتور خالد بن حمد الخريف، الباحث في العلوم الشرعية: إن لتتبُّع الرخص من أقوال العلماء مفاسد كثيرة، منها: إن تتبُّع الرخص ينافي قوله تعالى {فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إلى اللّهِ وَالرَّسُولِ} (59) سورة النساء؛ إذ إن موضوع الخلاف موضوع تنازع؛ فلا يصح أن يرد إلى أهواء النفوس، وإنما يرد إلى الشريعة. كما أنه (أي التتبُّع) يؤدي إلى الانسلاخ من الدين بترك اتباع الدليل إلى اتباع الخلاف، وكذلك الاستهانة بالدين؛ إذ يصير بهذا الاعتبار سيالاً لا ينضبط، وترك ما هو معلوم بالدليل إلى ما ليس بمعلوم، فضلاً عن أن تتبُّع الرُّخَص ميل إلى أهواء النفوس، والشرع جاء بالنهي عن اتباع الهوى.
ويجيب د. خالد الخريف عن التساؤلات الكثيرة التي يطرحها الناس عن حدوث الفوضى والاضطراب عند اختلاف المفتين في مسألة من مسائل العلم.. بمن يأخذ المسلم عند اختلاف الفتوى؟ إذ يقول: لا يسوغ الخلاف، ولا يقبل في مسائل العقيدة والمسائل المجمع عليها بين العلماء، كما أنه لا يسوغ قبول الفتاوى الشاذة، وهي: الفتاوى المخالفة للكتاب والسنة وإجماع العلماء. قال تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً} (59) سورة النساء.
ويستطرد د. الخريف في حديثه قائلاً: ما عدا ذلك من المسائل الفرعية التي تختلف فيها وجهات نظر العلماء فبمن يأخذ المسلم إذا اختُلفت فتاواهم؟ فإذا كان المستفتي من أهل الاجتهاد والعلم فإنه يأخذ بما قام عليه الدليل من أقوال العلماء؛ لأن أقوالهم يُستدل لها، ولا يستدل بها. أما العامي فإنه يأخذ بقول الأعلم والأكثر ورعًا من أقوال المفتين؛ لأن في ذلك احتياطًا لدينه، قياسًا على أنه لو مرض إنسان، وعنده طبيبان، واختلفا في وصف الدواء والعلاج، فإنه يأخذ بقول أحذقهما حفاظًا على صحته، واحتياطًا لها.. فالاحتياط لدينه أولى. أما إذا استوى المفتون في العلم والورع فإنه يأخذ بقول الذي تطمئن له نفسه.
قال ابن القيم رحمه الله: «لا يجوز العمل بمجرد فتوى المفتي إذا لم تطمئن نفسه، وحاك في صدره من قبوله، وتردد فيها؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم-: (استفت نفسك وإن أفتاك الناس وأفتوك). ولا يظن المستفتي أن مجرد فتوى الفقيه تبيح له ما سأل عنه إذا كان يعلم أن الأمر بخلافه في الباطن، سواء تردد أو حاك في صدره؛ لعلمه بالحال في الباطن، أو لشكه فيه، أو لجهله به، أو لعلمه جهل المفتي، أو محاباته في فتواه، أو عدم تقيُّده بالكتاب والسنة، أو لأنه معروف بالفتوى بالحيل والرُّخَص المخالفة للسنة، وغير ذلك من الأسباب المانعة من الثقة بفتواه، وسكون النفس إليها» انتهى. (إعلام الموقعين) - (4-254).