أنا سيدة متزوجة، وموظفة منذ أكثر من 17 سنة، في السنوات الأولى لزواجنا كان زوجير لا يزال طالبًا ولا يملك وظيفة براتب مجزٍ، في حين كنت أنا من أدعمه ماديًا ومعنويًا. كانت علاقتنا في تلك الفترة هادئة ومستقرة، ولكن بعد مضي هذه السنوات التي تمكن فيها من الحصول على الدكتوراه في مجال تخصصه إلى جانب وظيفة أكاديمية وحقق استقرارًا ونجاحات في مجالات كثيرة، ولكن في السنوات المتأخرة تبدَّل تعامله بالكلية، فهو يقسو على أولاده الصغار ويضربهم عند ارتكاب خطأ، أضف إلى ذلك يتعامل معي بفظاظة ويمارس معي أساليب تعسفية بغرض التأديب كما يزعم، يهجرني لليالٍ كثيرة، ويساومني على وظيفتي ويلح في مطالبتي بالاستقالة، ويهددني بالطلاق إن لم أدع وظيفتي، وبالزواج من أخرى تارات أخرى... إلخ، يتهم هدوئي وصبري عليه دائمًا بالغرور.باختصار زوجي لا يصلح كأب ولا يصح كزوج. فبماذا تشيرون عليَّ:-
الإجابة:- أستأذنك أني حذفت محاولاتك لإصلاح الحال، لأنها لم تجد نفعًا، ولأسباب تتعلق بالطباعة..
1- لتفهم موقف زوجك من خلال أدواره كزوج وأب؛ وبناءً على المعطيات لدي، وإن كنت أجهل ما الذي يدور بعمقه، وما الظروف الضاغطة التي تشعيل فتيله، باختصار، هو يحاول التحكم ظاهرًا من خلال تبرير زائف، وهو: متابعة مدى الالتزام بالأنظمة، في حين هو يحاول أن يوجه أفراد الأسرة بباعث من مجموع مشاعر تسكنه، وهي: الخوف والغضب والإحباط، ولذا فتأثير أوامره محدود وضعيف، قد يلتزمون ظاهرًا ووقتيًا ولكن متى ما حانت لهم فرصة فإنهم سيتسللون للخارج لواذًا من قبضته!!.
أما علاقته بك، فلا تخرج عن دائرة الغضب نفسها، وتنطلق من شعور دفين لديه بالخوف والإحباط والقصور في الوصول للكمال في نظرك. إذًا باختصار هو غير متمتع بالسلام مع ذاته وهو غير راضٍ عن نفسه بالمرة. استقلالك المالي يشعره بالغبن، ولذا هو يقرر أن الحل في حبسك بالبيت ومنعك من مزاولة وظيفتك، لأنه يتوهم أنه بذلك سيخلصه من نقاط قوتك: ( دخلك الشهري) بالنسبة له يعني الاستغناء عنه وخدماته.
2- بقي علينا أن نقدم لك قواعد في خطوط التعامل مع من كان هذا حاله:-
1- شعورك بالاستياء والقهر المتزايد ناجم عن شعورك بالصدمة من مخالفة تصرفاته لقيمك ومصادمتها لرغبتك وتبخر حلمك في زوج وأب لأولادك محب رحيم متفهم ودود كريم،،، فاستياؤك ليس من سلوكياته نفسها، وهنا يبرز الفرق!، أرجو أن يتضح الفرق لك؛ مرة أخرى أنت تستائين من رأيك فيه وفكرتك عنه، التي تزداد هوة واتساعًا كلما مارس سلوكًا متناقضًا جديدًا فتشعرين بالهوة تتسع ثانية وثالثة ورابعة وعاشرة...وهذا مصدر تعاستك ليس هو وليست سلوكياته! وإنما لوجود فرق كبير بين ما ترينه فيه من ممارسات وبين ما هو في رصيدك من قيم ومبادئ وكذلك أماني متبخرة ورغبات ضائعة... فائدة هذا الفصل يكمن في إعطائك الإحساس بالحرية في التغيير، إذ التغيير سيبدأ منك ويعود إليك، بدلاً من شعورك بالعجز تجاه إحداث التغيير في شخصه.
2- في الوقت نفسه نحن نقر بعجزنا عن إحداث التغيير في غيرنا وردعهم عن ممارساتهم العنيفة، إن لم تكن منهم مبادرات يتضح منها استعدادهم للتغيير. فبقي عليك اتخاذ الإجراءات التالية:
الإجراء الأول:-
- حاولي أن تصرفي تفكيرك بالمرة عن ممارساته تلك، قد تجدين أن ذلك مستحيل! وطلب فيه تعجيز وغرابة! نعم، قد تنجحين مرة وتفشلين ثلاثين مرة ولكن لا يمنعك من تجربة ذلك من جديد للمرة الواحد والثلاثين: لا تعيري تصرفاته اهتمامًا كبيرًا، لسببين:
الأول: إن التركيز على فكرة سواء أكانت سيئة أو جيدة، يسهم بشكل كبير في خلقها وشحنها، ومضاعفة حجمها، وتقوية امتداد جذورها.
والسبب الثاني: لا تسمحي له بتبديد طاقتك، احتفظي بها لنفسك وحدثي نفسك في كل مرة تشعرين معها بالضعف واليأس والانكسار، لا أمنحه الفرصة لتعكير مزاجي اليوم؟! لا أسمح له بتغيير مجرى حياتي؟! حدثي نفسك بعبارات جميلة: أنا ناجحة، أنا قوية، أنا لا أُهزم، أنا أستحق حياة مستقرة، وهادئة،،، وفي المقابل حدثي نفسك بعبارات فيها تفهم وروح الإشفاق إزائه، فهو شخص لم ينضج بعد، هو شخص يبحث عن نفسه في الآخرين..
ومما يساعدك هو توجيه قلبك لاستمداد طاقتك من الله فهو المستعان وهو العزيز الحكيم الجبار القوي... ومنه الحول والقوة.
الإجراء الثاني :- امسكي بورقة وقلم، أو حتى في مفكرة جوالك، عددي صفاته الجميلة، وفضائله الحميدة، ومناقبه الحسنة، ومن الإنصاف الاعتراف بعدم خلوه من المميزات. إذ من شأن هذا الإجراء أن يريح قلبك ويلطف مشاعرك ويعدل من موقفك تجاهه.
ومن فوائد هذا الإجراء كذلك أنه يسمح لك بالمحافظة على مستوى مشاعري مرتفع ومريح، كما يسمح للقبول والتسليم بالتسلل إلى قلبك، إذ أنك لو سمحت للأفكار السوداوية والخطرات التشاؤمية بشأنه من السيطرة على عقلك وقلبك، فسيسيطر عليك اليأس والقنوط، ولن يجد الرضا والصبر والقبول مكانًا لهم في قلبك.
ومما يعينك على اجتياز هذه المرحلة ذكر الله واللجوء إليه بالدعاء والاستغفار باستمرار وكذلك التشاغل بعمل ما وزيارة صديقات مبتهجات وتبادل الطرائف وخلق جو بهيج وممارسة الضحك (يوغا الضحك) وممارسة بعض الأنشطة الرياضية....
3- أنت الآن مؤهلة لأن تبدي امرأة مستقلة ومبتهجة - على الرغم من سوء تعامله - ولكن هذا المستوى المشاعري سيسمح لك بقبول وضعك، سيسمح لك بتفهم دوافعه وسيساعدك لبلوغ درجات رفيعة من الرقي الإنساني والنضج الروحي من خلال الرضا بالقضاء والقبول والمسامحة، أنت الآن امرأة قوية ومؤثرة في أقوالك وأفعالك.
4- حيازتك للقبول وتنعمك بالتسليم، هي نقلة نوعية في تصرفات زوجك! لا تندهشي من ذلك، وتعترضي بقولك وما دخل زوجك بمشاعر قبولك؟! جواب ذلك أن القبول فكرة ومشاعر، تصل للزوج ويحس بها والعكس يحدث ولعل ذلك سبب ضجره وغضبه والإفصاح عن قبولك له ورضاك به كزوج -إن وافقه صدق قلبي- سيعزز من بقائك في مستوى القبول وتنعمك بمعاينة التغيرات في شخصه.
5- مشاعرك الجميلة والمرتفعة، ستساعدك على نشر طاقة إيجابية داخل البيت وبين أفراده، ومن ثم هي طاقة طاردة للمشاعر السلبية. وكذلك بتصرفك الحكيم الذكي أنت تقدمين درسًا تاريخيًا لأولادك في معالجة أسوأ التجارب بصبر وروية وسعة بال. وحين يرتفع المستوى الطاقي للأسرة سيتوقف والدهم من تلقاء نفسه عن ممارساته تلك أو سيخفف منها على الأقل.
تابعي العدد القادم نظرًا للشروط الفنية المتعلقة بالمساحة المخصصة للصفحة.
** **
- للتواصل عبر البريد الإلكتروني
Hoda.maastor@gmail.com