أ.د.عثمان بن صالح العامر
في خمس مقالات سابقة تحدثت عن رؤية صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان الثقافية، وتدشينه إبان زيارته الأخيرة لجمهورية الصين الشعبية، مشروعه المفصلي (التبادل والتعاون الثقافي مع الصين) وأكّدت في ثنايا هذه المقالات كسر سموه الكريم الحلم الغربي للاحتكار الثقافي العالمي من خلال ما عُرف بمشروع العولمة الثقافية المعروف، كما أن في هذه الخطوة التبادلية والحوار المشترك رد مباشر على من يتهمنا بالرجعية والتفكير الحدي ورفض الآخر من جهة، ومن جهة أخرى تفنيد لمزاعم من يعتقد أننا ارتمينا في أحضان الغرب ولا يمكن لنا أن نخرج عن التبعية هذه بحال، فنحن في نظرهم نعيش هزيمة نفسية إزاء الثقافة الغربية الغالبة.
ومع ذلك فإن مما يجب التنويه إليه هنا أن ما تم على يد سموه الكريم وما سبقه - من جهود بذلت تأسيساً لهذا المشروع العملاق - ليس نهاية المطاف، بل هو خطوة رائدة توجب على المفكرين والمثقفين والدعاة والمؤسسات الدينية والثقافية والتعليمية والإعلامية العمل الجاد لتفعيل جسور التواصل الثقافي من خلال المؤتمرات والندوات واللقاءات المشتركة على مائدة الحوار المتكافئ حرصاً على تعزيز الوجود الثقافي الفعَّال في الخارطة الدولية والمحافل العالمية.
إن مغازلة الكونفوشستية والحوار معها سيتيح لنا فهم العقلية الشرقية عموماً والصينية على وجه الخصوص، وهي جزماً عقلية تختلف عن العقلية الأوروبية والأمريكية.. إنها وريثة العقلية الصينية القديمة التي قبلت الحق الذي جاء به الإسلام حين احتكت بالتاجر المسلم وخبرت أخلاقه وعرفت خصائصه القيمية النابعة من دينه، ولذا فنحن أمام منجز عالمي جديد سيسجل لنا في المملكة العربية السعودية إذا نحن استطعنا التعامل معه بجدية، وعرفنا كيف نوظّفــه التوظيف الأمثل لإيصال رسالتنا العالمية باللغة العقلية التي تؤثّر في المتلقي بصورة صحيحة، وبالمنهج السلوكي القويم الذي يجعل الآخر يرى الإسلام طريقة حياة.
وكان منا الديمومة والاستمرار وذلك من خلال إيجاد مشاريع ثقافية مشتركة وتعاون بين الجامعات والمؤسسات العلمية واتصال ثقافي جاد، نعم على المختصين بالفلسفة، والمجيدين للغة الصينية، والمبتعثين هناك للتمثيل السياسي أو التعليمي أو الدراسة والتعلّم مسؤولية كبيرة في ردم الهوة وتقريب المسافات وتحقيق التعارف الذي ندبنا الرب عزَّ وجلَّ له، فالمرحلة التي تعيشها بلادنا تتطلب تكاتف الجهود لجعل العالم بأسره مفتوحاً أمام أعيننا حتى نكون في سوق الخيار ليس سياسياً واقتصادياً وعسكرياً فحسب، بل حتى معرفياً وحضارياً وقيماً عدا ذلك فلدينا غنية وثراء. دمتم بخير وإلى لقاء والسلام.