د. محمد بن فهد بن عبدالعزيز الفريح
تلقيتُ اتصالاً فبعد السلام وأنا في سفر لمدة أيام أُخبرت فيه أنه تم ترشيحي لأكتب ورقة عمل لملتقى مكاتب الدعوة التعاونية للدعوة والإرشاد, فلم أتردد في قبول ذلك بعد معرفتي بموضوع الملتقى عموماً, لأن مكاتب الدعوة لها جهود عظيمة في نشر الخير في بلادنا فكم اهتدى إلى الإسلام من رجل وامرأة بل عوائل بأفرادها عن طريق مكاتب الدعوة, وكم تم نشر التوعية الدينية والإرشادية عبرها, وكم طُبعت من كتب علم, وتم ترجمتها إلى لغات شتى, سوى الجهود المبذولة في تنظيم المحاضرات والكلمات والمناشط كتفطير الصوام وغيرها, وحقيقة بعض المكاتب التعاونية تقوم بعمل جبار, والقصور حاصل, والتقصير وارد, وبعض مكاتب الدعوة لها راية بيضاء في الدعوة إلى المنهج الوسطي السلفي ومحاربة التطرف والغلو والانحراف عن السنة, وقد تعاونتُ مع عدد من المكاتب وكنتُ عضواً في مجلس بعض المكاتب, بل تم ترشيحي -من غير علمي- رئيساً لمجلس مكتب تعاوني! فقبلتُ على مضض واعتذرتُ عنه بعد مدة لعدم تفرغي لمثل هذا العمل المتعدي نفعه, وأنا أكتب هذا المقال وليس لي ارتباط بعضوية أي مكتب تعاوني, وقد كتبتُ الورقة المقدمة للملتقي, وتم اعتمادها, وحدد وقت إلقائها, كما تم تحديد عنوان ورقة العمل من قِبل المشرفين على الملتقى لأكتب الورقة على ضوئها وحدودها فكان العنوان (واجب مكاتب الدعوة بالمساهمة في توعية المجتمع من خطر الجماعات والأحزاب), فاختصرت الورقة المقدمة إلى كلمات يسمح بها المقام فقلت بعد الحمدلة:
(حي هلا بأهل الدعوة ومنظميها, حي هلا بأهل الإرشاد والتوجيه ومكاتبها, حي هلا بالقائمين على المكاتب التعاونية وبالعاملين فيها, وجزى الله وزارة الشؤون الإسلامية خيراً على قيامها وإشرافها واعتنائها بأمور الدعوة تحت قيادة وزيرها صاحب المعالي الشيخ د. عبداللطيف بن عبدالعزيز آل الشيخ, في ظل وجناب هذه الدولة المباركة بإذن الله بلاد التوحيد والدعوة والسنة «المملكة العربية السعودية», بلادٌ جمعها الله على كتاب وسنة, وأقام دولتها على التوحيد والدعوة, دولةٌ تجديدية, ودعوةٌ مجيدة, عمَّ خيرها, وكثر نفعها, وانتشر فضلها, وأشرق نورها, واجتمع شملها, وانتظم أمرها, وعلا شأنها, حكامها وملوكها أهل توحيد وسنة, لهم علينا السمع والطاعة في غير معصية, وعلماؤها علماء سنة إليهم الرجوع وعنهم الصدور, وشعبها أهل الخير والإحسان الوفاء والصدق والصلاح.
فهذا الخير العظيم أرَّق حسادها, وأقضَّ مضاجع أعدائها, فاتحدوا لتمزيق وحدتها, وتفريق أمرها, فكان من مكرهم أن قاموا بالدعوة إلى فرق وأحزاب وجماعات باسم الإسلام لتمرير أفكار ضالة بين أبنائها, وصرف من استطاعوا عن المنهاج النبوي, ليجعلوا لحزبهم الولاء, وينشروا لهذه البلاد العداء, فشككوا في ولاة أمرها, وطعنوا في علماء السنة فيها, وجندوا بعض الشباب للدعوة إلى أحزابهم, ففارقوا جماعة المسلمين بانتسابهم إلى تلك الفرق والجماعات التي أضرت بالدعوة, وكما أضرت تلك الفرق بالبلاد الإسلامية.
أيها الفضلاء؛ يا أهل الدعوة الحقة, ويا أيها القائمون على مكاتبها في بلاد التوحيد, قد حملكم الله أمانة عظيمة, فقوموا بها, واعلموا أنكم مسؤولون عنها, انصحوا لله, ولسنة رسوله صلى الله عليه وسلم, بلغوا أمر الله في لزوم جماعة المسلمين والتحذير من مفارقتها, ساهموا رحمكم الله في توعية المجتمع بالنصح له ببيان خطورة هذه الفرق والأحزاب والجماعات المسماة إسلامية.
انشروا عبر مكاتب الدعوة التي تقومون عليها: أحاديث السمع والطاعة, ولزوم الجماعة وحرمة مفارقتها والشذوذ عنها, بينوا للناس أن مجرد الانتساب إلى تلك الجماعات والفرق محرم شرعاً, ومُجرَّم نظاماً, حدِّثوا الناس بفضل الله علينا في هذا البلد المبارك, وانقُلوا لهم قول علمائنا الراسخين، -الذين نحسبهم من أصدق الناس في هذا الزمان نصحاً للأمة, وقولاً للحق, وتبييناً له, حتى تسكن قلوب وتطمئن أفئدة- في ثنائهم على دولة التوحيد والسنة, على بلدنا ووطننا, قال سماحة شيخنا عبدالعزيز ابن باز رحمه الله: (العداء لهذه الدولة عداء للحق, عداء للتوحيد, أي دولة تقوم بالتوحيد الآن).
وقال: (وهذه الدولة السعودية دولة مباركة نصر الله بها الحق، ونصر بها الدين، وجمع بها الكلمة، وقضى بها على أسباب الفساد وأمن الله بها البلاد، وحصل بها من النعم العظيمة ما لا يحصيه إلا الله، وليست معصومة، وليست كاملة، كل فيه نقص فالواجب التعاون معها على إكمال النقص، وعلى إزالة النقص، وعلى سد الخلل بالتناصح والتواصي بالحق والمكاتبة الصالحة، والزيارة الصالحة، لا بنشر الشر والكذب، ولا بنقل ما يقال من الباطل؛ بل يجب على من أراد الحق أن يبين الحق ويدعو إليه، وأن يسعى في إزالة النقص بالطرق السليمة وبالطرق الطيبة وبالتناصح والتواصي بالحق هكذا كان طريق المؤمنين وهكذا حكم الإسلام).
وقال: (السعودية بحمد الله تحكم الشريعة في شعبها وتقيم الحدود الشرعية). وقال: (لا ريب أن بلادنا من أحسن البلاد الإسلامية).
وقال رحمه الله: (من الواجب على الرعية مساعدة الدولة في الحق والشكر لها على ما تفعل من خير والثناء عليها بذلك. يجب عليهم معاونة الدولة في إصلاح الأوضاع فيما قد يقع فيه شيء من الخلل بالأسلوب الطيب وبالكلام الحسن لا بالتشهير وذكر العيوب في الصحف وعلى المنابر ولكن بالنصيحة وبالمكاتبة والتنبيه على ما قد يخفى حتى تزول المشاكل وحتى يحل محلها الخير والإصلاح).
وقال سماحة شيخنا محمد بن عثيمين رحمه الله: (أشهد الله تعالى على ما أقول وأشهدكم أيضاً أنني لا أعلم أن في الأرض اليوم من يطبق شريعة الله ما يطبقه هذا الوطن -المملكة العربية السعودية-... الإنسان يجب أن ينظر إلى واقع حكومته وواقع بلاده, ولا يذهب ينشر المساوئ التي قد يكون الحاكم فيها معذور لسبب أو لغيره ثم يعمى عن المصالح والمنافع عماية تامة ولا كأن الحكومة عندها شيء من الخير إطلاقاً؟! هذا ليس من العدل يقول الله عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى .
وقال الشيخ المحدث حماد الأنصاري رحمه الله: (نحن فتشنا العالم اليوم فلم نجد دولة تطبق الإسلام ومتمسكة به وتدعو إليه إلا هذه البلاد... المملكة العربية السعودية هي التي بقيت لخدمة الإسلام والدعوة السلفية).
وقال سماحة شيخنا صالح اللحيدان غفر الله له: (هذه البلاد قلب الإسلام وحرزه... والحكومة السعودية خير حكومة على وجه الأرض, ولهذا يجب على كل مسلم في داخل البلاد وخارجها أن يدعو لها بالثبات والقوة في الحق, ونصرة المظلوم... وحكام هذه البلاد لا يشك منصف في الدنيا من المسلمين وغير المسلمين لا يشك أن ولاة هذه البلاد خير ولاة في بلاد العالم, لا يشك أحد في ذلك إلا من كان ذا هوى لا إنصاف عنده أو كان جاهلا لا يدري عن أحوال الناس).
وقال سماحة شيخنا صالح الفوزان غفر الله له: (بلادنا -والحمد لله- تختلف عن البلدان الأخرى بما حباها الله من الخير من الدعوة إلى التوحيد وزوال الشرك ومن قيام حكومة إسلامية تُحكِّم الشريعة من عهد الإمام المجدد محمد بن عبدالوهاب رحمه الله إلى وقتنا هذا).أي وقع سيكون على قلوب الصادقين المحبين للخير حين يسمعون هذه الكلمات والأحرف الصادقة من علماء السنة في هذا الزمان؟
إلى هنا انتهت الكلمة التي ألقيتْ في الملتقى, سائلاً الله جل في علاه أن يحفظ هذه البلاد, والتوحيد الذي فيها, والخير الديني والدنيوي عليها, وأن يبعد عنا أسباب سخطه, ومورثات عقابه, وأن يمكِّن لأهل السنة في كل مكان, وأن يلطف بالمسلمين, وينصرهم على أعدائهم, وأن يكبت كل مفسد يريد بنا وببلادنا وأولادنا وولاة أمرنا سوءاً, وأن ينصر بولاة أمرنا السنةَ وأهلها, والإسلامَ وبلاده, وأن ينصر جندنا ويعزهم بتوحيده, وأن يوفق القائمين بالدعوة والإرشاد بسلوك المنهاج النبوي والطريق السلفي, وأن يعين وزارة الشؤون الإسلامية على كل خير, وأن يمد وزيرها والعاملين فيها بالتوفيق والسداد, ولها الشكر على إشرافها على هذا الملتقى, ولكل من نظَّم وساهم وحضر.