«الجزيرة» - محمد السنيد:
لم يصدق محمد القحطاني عينيه وهو يرى المدرسة المهجورة المجاورة لمنزله، تعجّ فجأة بالعمال والمهندسين الذين شرعوا في استكمال بنائها بعد سنوات من الإهمال أحالتها إلى مأوى للعابثين والمتسكعين والحيوانات الضالة. هذه المدرسة هي واحدة من 200 مدرسة باتت تعرف اليوم بـ»المدارس الصينية».. وهي تسمية تشير إلى أزمة عامة بدأت فصولها في العام 2009 حين تعهدت شركات صينية ببنائها خلال 14 شهراً لكنها انسحبت تدريجياً دون تنفيذ التزاماتها.
وقد عهدت وزارة التعليم إلى شركة تطوير للمباني بتسلّم هذه المشروعات، وتمكنت الشركة خلال فترة وجيزة، من إقفال هذا الملف الذي طال أمده، حيث أسندت استكمال البناء والتجهيز إلى مقاولين متخصصين وفق معايير عالمية، وشرع المقاولون فوراً بالعمل بعدما تعهدوا بالتنفيذ وفق الجودة اللائقة وبالسرعة المطلوبة.
«كان مشهداً رائعاً وباعثاً على التفاؤل»، كما يقول القحطاني الذي يسكن حي العزيزية في الرياض، وهو يصف حركة العمال في موقع البناء: «فلم أكن أتوقع أن هذه الأزمة ستنتهي، لأن هذه المدارس المهجورة شكلت هاجساً مؤرقاً لنا نحن سكان الحي، فهي استحالت مكاناً مشبوهاً يقصده المتسكعون ويلجأ إليه مجهولو الهوية».
ويضيف القحطاني الذي التقته «الجزيرة» خلال جولتها الميدانية في الأحياء التي تقع فيها بعض هذه المدارس: «إذا استمر العمل بهذه الوتيرة فأتوقع أن ينتهي بناء المدرسة مع مطلع الصيف القادم، لتكون جاهزة لالتحاق الطلاب في العام المقبل».
وفِي سعيها إلى حلول مؤقتة لهذه الهواجس الأمنية، بادرت (تطوير للمباني) خلال الأشهر الماضية إلى إحاطة هذه المباني بأسوار مؤقتة، وتعاقدت مع شركات متخصصة في الحراسات الأمنية لتتولى حمايتها من العابثين، ريثما يستكمل المقاولون بناءها وتجهيزها وتسليمها لوزارة التعليم.
هذه الأسوار والحراسات بدّدت مخاوف محمد البخيت (42 سنة)، الذي يسكن حي الشفا بالرياض: «فهي أقصت المتسكعين عن الحي، ولَم تعد تشكل مصدر قلق للسكان من أن يكون المبنى وكراً للمخالفين وضعاف النفوس، لا سيما أن بعض أطفال الحي يدفعهم الفضول إلى الاستكشاف والمغامرة واقتحام هذه الأبنية وتعريض أنفسهم للخطر، لكن هذه الأسوار والحراسات أوقفت ذلك تماماً».
ولم تقتصر معاناة السكان على هذه الجوانب، فبعض هذه المدارس المهجورة استحالت مكباً للنفايات، كما يشكو خالد السعوي (27 سنة) من سكان حي الصحافة: «بعض المهملين استغلوا غياب الرقابة عن هذه المباني خلال السنوات الماضية فألقوا النفايات فيها دون مراعاة لخطورة ذلك على الصحة البيئية العامة، لكن عمليات استكمال البناء وتواجد العمال والمهندسين يومياً أوقف هذه الظاهرة المزعجة والمؤذية».
وإضافة إلى هذه المعاناة اليومية التي عاشها سكان الأحياء المجاورة للمدارس المهجورة، تبقى مشكلة تكدس الطلاب وازدحام المدارس هي الأبرز في سلم اهتماماتهم، كما تشير عائشة القرني التي تأمل أن تتمكن ابنتها من الالتحاق بالمدرسة القريبة بدل أن تسجلها في مدرسة بعيدة ومزدحمة بالطالبات.
وتضيف القرني التي تعمل معلمة في مدرسة مكتظة بالطالبات بحي الصحافة: «ألاحظ بصورة مستمرة أعمال التشييد في المدرسة القريبة، وأشعر بتفاؤل شديد في أنها ستكتمل قريباً، حتى يخف الضغط عن المدارس الأخرى».
من جهته، أبدى إبراهيم الغملاس (72 سنة)، وهو من سكان حي السويدي، مخاوفه من تعثّر المشروعات وتكرّر المعاناة في مراحل البناء، واستمرار هذه الأزمة التي ضاق بها الناس في عدد من أحياء منطقة الرياض وشكلت لهم هاجساً مستمراً على المستوى الأمني والبيئي والمعيشي».
ويترقّب السكان أن تستمر «تطوير للمباني» في أداء دورها الرقابي والإشرافي على هذه المشروعات، كما يضيف الغملاس: «فالخطوات الأولى كانت مبشرة وناجحة بكل المقاييس، وننتظر أن نرى هذه المدارس بكامل طاقتها في أحيائنا».