د. خيرية السقاف
اليوم أول أيام «معرض الكتاب» المقام في مدينة الرياض، عاصمة الدولة التي تتسارع نحو الحداثة في شؤونها جميعها..
وفيها تضطرب الميول فالأغلب مع التعامل الرقمي، والقلة مع الورقي، ويبقى بينهما من تعلو ذائقته، ويتقد شغفه لرائحة الأحبار، وملمس الورق، وتقام الحوارات، وتعقد الندوات، ويتسابق الباحثون في شأن هذا الجديد، وذلك القديم حتى بات صراعا، واتُّهِمت الثلةُ الأخرى بالتقليدية غير المجددة، بل تفاقم الصراع، وأخذ بعضهم يفرط في مغالاة ميوله ضد الآخر، ما أظهر سلوكا مستجدا على غير ما تعاهد الناس للتعبير عن الرأي الفردي بينهم لكنه مُستَهجنٌ، تحول فيه الخطاب العام ليكون نشازا في مجتمع ألف حسن الخلق، والنأي عن البذاءة حتى حين التعصب للرأي..
الشاهد أن «معرض الكتاب» لا يزال تتدفق فيه المطابع بالكتب الورقية ذات الأحبار التي تبلغ رائحتها أعماق العمق في النفس، وتبعث معها سيلا من المكنون عن كل صفحة كُتبت، وسطر قرئ، وموضوع نوقش، وسرد ترحلت معه المخيلة، وطافت به المشاعر، وتنوعت الأفكار، وتعلم منه من تعلم، وعرف عنه من عرف، بكى وضحك، وأرَّخ، ودوَّن، وكشف، وأبان، وحفظ وأعاد، وأمد، واستزاد..
«معرض الكتاب» الشاهد على بقاء الورق والأحبار في منصة العناية، وشغف التفاعل، وثقة المرجعيات، والدليل هذه العروض لعناوين الكتب التي يقدمها في مواقعهم، وعبر وسائل اتصالهم كل من ركض، وحرص على أن يكون له حضور بكتاب في موضوع يهمه، أو يختص علميا في مجاله، أو تسجله له لمحات حسه، وخفقات دخيلته، أو ترسمه أقلامه بألوان إيقاعاته الذاتية..
بل إلى هؤلاء تسارع كل من يرغب في التزود منه للبحث عن بغيته حيث تصله المعلومة، ويسهل عليه الطريق لاقتناء ما يريد من معروضات دور النشر التي يحتويها هذا المعرض للكتاب..
بل إن اسمه الشاهد الأول على بقاء الورق، والأحبار، مع ما يتضمنه من حديث المنجزات
القرائية مختلفة الأقنية..
«معرض الكتاب» لا تزال تحصد له الميزانيات الشخصية، وبعض مؤسسات المجتمع،
لا يزال وِجهة الباحث، والمبدع، والدارس، والمثقف، والمختص،
لا يزال تحجز له مقاعد المركبات، ومواعيد المحطات من كل جهة في البلاد، ومن خارجها..
لا يزال ملتقى الأشباه، ومنزل الراغبين..
على ملمس الورق تطيب التأملات، وتُشرع الصفحات، ويُنتقى المضمون، ويُبحث عن الفكر، ويُحرص على الاقتناء..
الكتاب القطار، والطائرة، والمنتجع، والأيكة، والذي في الباطن قد امتزج، وتكون فتُمُخِّض، وولِد..
يركض له المتجهون لمشهد الميلاد، أو لرفقة السفر..
«معرض الكتاب» شاهد بقاء!!..
فسيبقى الورق، وستبقى الأحبار، ولن يتوقف هدير المطابع، ولن تغلق مصانع الأقلام، والورق،
وستدر الأشجار بمؤونتها، طال الزمن أو قصر،
استُجدت وسيلة، أو طغت منجزات..