د. محمد عبدالله الخازم
وكتعريف للعنوان، النوستالجيا باختصار هي الحنين للماضي (غالباً ما يوسم بالجميل) وبمعنى آخر نقول استحضار ذكريات الماضي. من خلال متابعتي للجانب الثقافي أجد أن هناك مبالغات في استحضار الماضي القريب أكثر منه صنع المستقبل، بشكل يفتح تساؤلاً: ألن نتجاوز الثمانينات والتسعينات الثقافية؟ أكثر من برنامج على القنوات المعروفة الرسمية وغير الرسمية يكررون نفس الأسماء ونفس القضايا وكأننا أرض مجدبة ليس لديها مفكرون عصريون وليس لديها فنانون ينتمون إلى هذا الجيل ولا نعرف سوى جيل ماض في استقطاباتنا الثقافية والفنية والترفيهية!
أنظر كم حفلة أو مناسبة وطنية يشارك بها محمد عبده، وهو محل تقدير بالطبع، وربما معه اثنان أو ثلاثة وعلى مدى سنوات لا نقدِّم فناناً جديداً سواء بمصاحبتهم أو بشكل منفصل. لا أعتقد أن الأرض أجدبت، لكننا نحن نعاني صعوبة التنازل عن الحالة (النوستالجية) التي ننظر بها للفن السعودي. انظر كم لقاء وقناة تجري خلف كبار المثقفين، الغذامي وابن تنباك والحمد والسريحي وغيرهم من الكبار وكأن العلم والثقافة والأدب لم يخرج سواهم، وحتى في لقاءاتهم نكرر مقولات تتعلّق بصراعات وتنافسات من الماضي وكأن اللقاءات الثقافية لدينا مجرد حواديث ذكريات وسرد لبطولات من الماضي، وبعضها لم يعد يصلح للنقاش في هذا العصر. فكرنا في إنتاج فني فأسحضرنا السدحان والقصبي لنجبرهما على إعادة طاش ماطاش. نحضر فنانين أجانب فنحضر شريهان وعادل إمام وماريا كاري، وبالطبع هم يمثّلون جيلي، جيل له التقدير، لكنهم لا يمثّلون الجيل الأصغر جيل المستقبل. ولا أدري لماذا لا نحضر ونبرز فنانين معاصرين وليس مجرد مخضرمين. طبعاً لا أعترض على جميع الأسماء التي أذكرها هنا فأنا أسعد بها كجزء من استحضار ذكرياتي. أحث على استقطابها وتكريمها، لكن ليس بالشكل المبالغ فيه والذي يشعرني بأننا نفتقد وجود فكر وجيل مستقبلي في كافة مناحي الحياة وبالذات الثقافية محور مقالنا.
حتى وزارة الثقافة ابتدأت بلقاء الكبار فسايرت (النوستالجيا) الخاصة بهم وبدأت أو ستبدأ بطباعة قصص العطار - رحمه الله- وهو قامة فكرية كبيرة في تاريخنا. لا أعترض على ذلك لكن أعتبرها رمزية غير مشجعة على آلية تفكيرنا وكوننا نتصرف ثقافياً بشكل يعاكس ما نطمح إليه في رؤيتنا، التي تتطلب منا صناعة ثقافة وجيل مثقفين للمستقبل بكافة فروع الثقافة. على الرغم من كوني أنتمي لجيل سابق ويلامس مشاعري كل الحراك الحالي إلا أنني لا أدري هل يقودنا إلى منافسة إقليمية وعالمية، أكثر مما فعل في وقت صنعه؟ أريد أن نتحوّل إلى صنع الثقافة بدلاً من تكرار الحديث حول الثقافة وأن ننتج معرفة بدلاً من التنظير حول المعرفة وأن ننتج جيلاً واعياً بما يفعله وليس مجرد ضاحكاً على قصص الماضي. أريد أن نتجاوز فكرة أن الثقافة مجرد لغة وأدب وشعر وغناء نوستالجياً إلى ثقافة حديثة عمادها القيم العالمية والإنسانية تتقن التعامل مع وسائل العصر.
رؤيتنا نجاحها - ثقافياً- يكمن في قدرتنا على صناعة جيل ومنتج ثقافي يُصاغ بفكر المستقبل وأدواته وأبطاله وليس فقط بالفعل (النوستالجي) الذي لا يتجاوز إعادة المنتج و الذكريات والحنين...