عبدالوهاب الفايز
مؤسف أن تكون ممرات المشاة داخل الأحياء السكنية غائبة، وتحوّلت إلى مكب للنفايات ومخلفات البناء، ومصدر مغذٍّ للتلوث البصري المشوِّه لمدننا، فوضع الأرصفة لا يحترم حقوق الإنسان، (حقه في بيئة آمنة).
هذه الأرصفة نتفق على أنها أصبحت مشكله أو تحدياً مزعجاً لنا، ولكن في المقابل وتحت مستهدفات مظلة (برنامج جودة الحياة) يمكن أن نحولها إلى مصدر يدعم البعد الإنساني للمدن السعودية الذي نتطلع إليه.
جودة الحياة أحد برامج (رؤية المملكة 2030) الذي هدفه التعامل مع المؤشرات والمؤثّرات السلبية التي تؤخّرنا في مؤشرات التقدّم الإنساني والحضاري. الحكم على مستويات التقدّم والتحضّر والتمدّن للدول والشعوب يتم من خلال أمور قد نظنها بسيطة، ولكنها تُؤخذ كمؤشر يحدّد مستويات التحضّر، مثل (الرصيف).
الحاجة الإنسانية في مدننا للأرصفة ظللنا منذ سنوات بعيدة نتعامل معها على أنها (أمر ثانوي بسيط) في بناء وتشغيل المدن، وفِي سنوات مضت ومع احتفائنا بالسيارة وتسليم أحيائنا للنشاط التجاري، كانت الصحف تنشر المطالبات (بالذات من النخبة!) لإزالة الأرصفة الواسعة، وهذا خلل منهجي وقصور في الفهم الحضاري لمتطلبات الحياة في المدن المعاصرة. هذا اللبس نرثه الآن وسوف ندفع ثمناً عالياً لتجاوز سلبياته على جودة الحياة في المدن.
لتدارك هذا الوضع السلبي الذي نخشى أن ينتقل إلى مرحلة خطيرة على الرخاء الاجتماعي، بعد بدء انسحاب آثاره السلبية على (الرضا الوطني)، أي رضا المواطن عن بلده، وضعت (رؤية المملكة 2030) برنامجاً خاصاً لتدارك هذا الخلل. المهم أن البرنامج حدد المشكلة واعترف بها، وهذا نصف الحل. في وثيقة البرنامج نجد اعترافات صريحة بالمخاطر التي تهدد جودة الحياة.
جاء في الوثيقة التالي: (تحتل المملكة مرتبة متأخرة فيما يخص الوصول إلى البيئة الطبيعية، والسكن الميسّر، والتصميم الحضري، وجودة البيئة، وجميعها جوانب مهمة لحياة المواطنين. فعلى سبيل المثال، في مقياس مستقل يتعلّق بتوفر الأماكن الملائمة للمشي (Walk score)، فإن الدرجة التي حصلت عليها الرياض هي نصف الدرجة التي حصلت عليها مدن نيويورك وسنغافورة ولندن. أما تلوث الهواء في الرياض فهو 15 ضعف المعدلات المحددة في منظمة الصحة العالمية.).
أيضاً كشكل آخر للاعتراف بالمشكلة، جاء في الوثيقة التالي: (تحتل المدن التي تركّز على مواطنيها - أي المدن التي توفر الأرصفة وشوارع آمنة للمشاة، ووسائل نقل عام موثوقة، وأحياء مميزة يمكن المشي فيها بالأمان وراحة - لأعلى المراتب على المؤشرات الخاصة بقابلية العيش. فهذا التصميم الحضري يترك آثاراً إيجابية على السكان، ويشجع الناس على الخروج إلى الهواء الطلق لممارسة مختلف الأنشطة والفعاليات، مما يساعدهم على تبني نمط حياة نشط). شكراً لمن أعد الوثيقة، ووضع اليد على الجرح النازف!
في الرياض، غياب الأرصفة سوف نكتشف أنه مشكلة حقيقية إذا انطلق مشروع النقل العام. فالوصول إلى محطات المترو أو الحافلات سيكون مجازفة خطرة! في وثيقة برنامج جودة الحياة اعتراف بغياب حالة المشي. جاء في الوثيقة: (أن أحد أهم الجوانب التي تعد المملكة متأخرة فيها هو عدد الخطوات التي يمشيها الفرد يومياً، إذ أتت المملكة متأخرة عن أفضل الممارسات).
تحقيق مستهدفات جودة الحياة في المدن السعودية يمكن أن يتحقق بأقل التكاليف على الميزانية العامة، ويتحقق بالتشارك بين المواطن والحكومة. المواطن يبني الرصيف للمنشأة الخاصة أو التجارية، ولكن يصممها ويبنيها بدون نظام موحّد، فكل يبني على (ليلاه!) بسبب ضعف وزارة البلديات. والنتيجة: مع الأسف في العقود الماضية أهدرنا فرصة ذهبية لبناء بيئة حضاريه تمكن من جودة الحياة، إذ بنيت مئات الأحياء السكنية بدون مقومات حقيقية جاذبة للأنشطة الإنسانية، بالذات الرصيف.
فالآن تبرز أمامنا احتياجات (المعاقين) و(كبار السن)، ولم نر أياً من المدن السعودية في قائمة المدن العالمية الصديقة لهؤلاء، ولم نجد أيضاً مدينة عربية واحدة التصنيفات العالمية صديقة للمسنين والمعاقين. الاهتمام باحتياجات هؤلاء تبدأ من الرصيف، وإذا لم نستطع حل مشكلة الرصيف، كيف نواجه التحديات الكبيرة للمدن؟