أمل بنت فهد
حين نتناقل القصة فإنها مع كل نقل تفقد جزءًا من الحقيقة، وتدخلها الآراء كأحداث، وهكذا، إلى أن تصبح قصة أخرى لا علاقة لها بالأولى، عدا تشابه يكاد ينعدم، وذلك يحدث ليس بسبب الكذب وحده، إنما طبيعة المنقول أنه يتأثر بالوقت والكيف والظروف، ويفقد قوامه لشكل آخر، إنه كالسائل تماماً، يأخذ شكل الإناء الذي وضع فيه، والمنقول يأخذ شكل العقل الذي قام بسرده، لذا لا يمكن أن تصدق كل ما قيل لك دون أن تكون أجرت عقلك لأحد ما.
والغرابة تكمن في الإنسان الذي يدعي أنه أذكى وأعقل المخلوقات، وهو جاهز لنقل قصة أو حدث لم يكن جزءًا منه، ولم يعش شيئًا منه، لكنه قادر على تمريره للآخر، دون مسؤولية، ودون أن يشعر بالإهانة كونه يتحدث بما سمع، أو قرأ، ويصادق عليه، وإن قال إنه لم يصادق، فلماذا نقله!
ومن جهة أخرى فإن إنسان اليوم يعيش ضجة من المعلومات، والأخبار، والأصوات، والحكايات، لم تحدث لإنسان قبله، إنه محروم من السكون، والهدوء، والاسترخاء دون تفكير، إنسان اليوم مشغول في كل أوضاعه، حتى وهو نائم، فإن أحلامه تكمل الضجيج، ومنذ أن يفتح عينه فإنه أمام فوضى عارمة من أمسه.
وأغلب الظن أن الإنسان ابن الطبيعة ولسوف يعيد ترتيب تلك الفوضى، إما بتقنينها، أو تجاهلها ومن ثم الالتفاف على ذاته، ومنحها حياة هادئة، ليعود إليها من جديد، فهذا الشتات الذي يعيشه اليوم، سيدفعه للعودة إلى أحضان الطبيعة، فالحياة أقصر وأعظم من أن تفنى في هذه الضوضاء، والركض هنا وهناك بعيداً عن فهم أسباب السعادة، والسلام، والهدوء.