فوزية الجار الله
كثيرة هي الأمثلة التي تقض مضجع الجانحين عن الصواب، لكنني لست بصدد إطلاق الأحكام وإنما أجزم بأن لدينا أزمة في الثقافة التربوية بشكل عام، فحين نعود إلى جذور هذه القضية، نجد أن الأب والأم أو أحدهما على الأقل لم يتلق تربية مناسبة ولم يتم بناؤه فكرياً وروحياً على قيم معينة ولم يتم توعيته بمعنى المسؤولية، ويتضمن ذلك أنه حين يتبنى دوراً وموقفاً معيناً فلا بد أن يكون أهلاً لهذا الدور، مدركاً للمسؤولية قادراً على تحمل تبعاتها، ويأتي في مقدمة ذلك حين يقدم على الارتباط بشريك حياة آخر فلا بد أن يكون أهلاً لهذه الأسرة التي سوف تتشكل في المستقبل.
بنظرة عامة وربما دون قيام بإحصائيات علمية، يبدو أن نسبة الرجال الزاهدين في دفء الأسرة الواحدة المتماسكة أكثر بكثير من نسبة النساء، يحدث ذلك من خلال رغبته بالتعدد (وأقصد هنا التعدد الشرعي) وقد يكون الرجل رافضاً للاستقرار مع زوجة واحدة، والأسوأ من ذلك أن يتخلى عن أبنائه أو يتنصل عن مسؤوليته تجاههم، وإذا كان تخلّي الرجل عن أسرته وأبنائه أمراً سيئاً، فهو كارثة عظمى تبدو أسوأ بمراحل حين يحدث من قبل المرأة «الأم».. فقد اعتدنا بأن المرأة هي الأرض وهي الوطن وهي الشجرة الوارفة التي تستظل تحتها الأسرة، ثم إن قيام المرأة بدورها كأم للأبناء لا يعني ذلك إطلاقاً تفريطها بنفسها ونسيانها لاحتياجاتها، يمكنها من خلال تنظيم الوقت وتعويد الأبناء على تحمل المسؤولية أن تقطف ثمرة تربيتهم باكراً فتراهم قادرون على القيام بالتفاصيل اليومية الصغيرة التي تخصهم ويبقى لها دور الإشراف والمتابعة عن كثب..
أتذكر أن صديقة رافقتني في المرحلة الثانوية الدراسية، هذه الصديقة تزوجت باكراً ثم افترقنا وبعد سنوات فوجئت بها عبر مكالمة هاتفية تخبرني بأنه قد أصبح لديها ستاً من الأبناء والبنات إضافة إلى شهادة الدكتوراة في أحد التخصصات..
في السنوات الأخيرة شاعت دورات تطوير الذات من ضمنها تلك الموجهة للمرأة التي تحمل شعار «أحبي نفسك» آمل ألا يكون أثرها سلبياً على بعض النساء بحيث أخذت بعضهن ظاهر العبارة واستيقظت لديها مشاعر حب الذات بأسوأ صورها ثم غادرت أسرتها للبحث عن نفسها، هاربة من مسؤولياتها حتى وإن تضمن ذلك طفل رضيع!
أتمنى أن يكون لمؤسساتنا الاجتماعية المسؤولة عن الأسرة دور في الحد من هذه الكوارث بأكثر من وسيلة، يبدو من أسهل هذه الوسائل، تقديم دورات تدريبية للشابات والشباب الصغار، وأيضاً للأمهات والآباء لتبصيرهم بمعنى المسؤولية في كافة مراحل العمر وذلك حماية للأسرة وللحصول على مجتمع أكثر وعياً ونضجاً وتماسكاً.