د. صالح عبدالله الحمد
في يوم الثلاثاء الموافق 14-6-1440هـ توفي تركي بن عبدالله الطواله -رحمه الله-، أحد رجالات محافظة الزلفي كرماً، وتواضعاً، وشهامةً، وأخلاقاً عالية وحميةً وطنية كبيرة، طلق المحيا، مساهماً في الأعمال الوطنية، والخيرية، التي يقوم بها في الخفاء لوجه الله تعالى، هكذا حدثني من يقوم بمساعدتهم سرًّا، ويتفقد أحوالهم، وهم كثر، بالإضافة إلى تبرعاته السخية، لجمعيات البر، ومدارس تحفيظ القرآن، وعمارة المساجد، وكافة الأعمال الخيرية.
عرفت أبي عبدالله عن قرب، وللأسف كانت هذه المعرفة متأخرة، جالسته وتحدثت معه كثيراً، وسافرت معه، فوجدته مدرسة جامعية، في الأخلاق، والتواضع، والحرص على الدين، والبشاشة، والبر، والإحسان إلى الفقراء، والمساكين، حيث عرفت ذلك عن قرب كان -رحمه الله- قليل الكلام في المجالس، إلا بما يرضي الله، وإذا تحدث تحدث بعمق، وأشياء مفيدة، فيها من الحكم والتجارب الشيء الكثير، لا أبالغ إذا قلت إن -تركي الطواله- رحمه الله جامعة كبيرة في علوم مختلفة، ولا أخفي سراً أنني نهلت من هذه الجامعة الشيء الكثير، بحكم مخالطتي له كثيراً، ولا غرابة في ذلك فهو من قلائل الرجال ذوي الخصال الحميدة والأخلاق الرفيعة والتجارب الكثيرة.
تأثرت كثيراً كما تأثر أهله وأبناؤه وأبناء أخيه رحمه الله وأحفاده وجيرانه وأصدقاؤه ومحبوه وعائلة الطوالة جميعاً وأقرباؤه ومن كان يحسن إليهم، ولقد اكتظ جامع الملك عبدالعزيز بمحافظة الزلفي، عصر الأربعاء لتأدية الصلاة عليه من المصلين القادمين من كل مكان من داخل المحافظة وخارجها ثم قاموا بتشييعه بعد الصلاة عليه إلى المقبرة وشارك العديد من الحاضرين في الصلاة عليه مِنْ مَنْ لم يتمكنوا من الصلاة عليه في المسجد ومن ثم دفنه ودعاؤهم مستمراً له بالرحمة والمغفرة، والجميع يعزي بعضهم البعض ثم بعد ذلك قاموا بمواساة أبنائه وأبناء أخيه، وأحفاده وأقاربه، وأسرته، ومحبيه، وأنسابه، وجيرانه، ومن ثم توافد جمع من المعزين لمنزله بمحافظة الزلفي وكذا مدينة الرياض يشاركون أهله الدعاء والمواساة ويرجون من الله العلي القدير له الرحمة والمغفرة، ولأهله الصبر واحتساب الأجر على ذلك.
حقاً إنك ترى هذه الجموع المؤمنة وهي تفعل ذلك فإنك لا تشك مطلقاً إلا أن الأهداف بحمد الله إيمانية خالصة تبتغي وجه الله ورضوانه سبحانه وتعالى، وهذا ديدن المسلمين بحمد الله مع بعضهم البعض وهذه سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم، الذي حث وأوصى بأن يكون المؤمنون كالجسد الواحد متوادين متعاطفين متراحمين في كل شيء.
هذه صفات تدل على عظمة هذا الدين وأنه يحثنا عليها وهذا ما حدث لتركي الطوالة -رحمه الله- حينما تسارع الجميع لحضور جنازته، والصلاة عليه، وتشييعه، ومواساة أهله، وأقاربه، ومحبيه، امتثالاً لما ذكر ولما يتصف به -رحمه الله- من صفات وخصال حميدة وأخلاق عالية، وتواضع جم، حيث فرض على الجميع محبته، والاستئناس بزيارته، ومحادثته، والجلوس معه.
ولذا كان لفراقه حزن عظيم في نفسي، بادرت بالتخفيف منه بحمد الله، بالصبر على قضاء الله وقدره، وهذا ديدن المؤمن، وإننا بحمد الله مؤمنون بأن هذا مصير كل مسلم، ومن ثم الاستمرار بالدعاء له، ولوالديه، بالرحمة والمغفرة، اللهم اغفر له وارحمه وأسكنه فسيح جناتك واجعله مع الصديقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقا ووالديه ووالدينا وجميع المسلمين إنك سميع مجيب.
إنني في هذه العجالة والكلمات المتواضعة، أعزي نفسي بأخ عزيز كان له في قلبي مكاناً كبيراً منذ أن عرفته من خلال تعامله الطيب، وأريحيته، كما ذكرت وسأظل -إن شاء الله- مستمراً له بالدعاء بالرحمة والمغفرة، معزياً في ذات الوقت أهله وأبناءه، وأحفاده، وأقاربه، وجيرانه، وأصدقاءه، ومحبيه، وأسرة الطوالة كافة، في جميع مدن ومحافظات المملكة، ودول مجلس التعاون وغيرها من الدول.
وهذه السطور المتواضعة لم ولن تعطيه ما كان يتصف به رحمه الله -ذلك لأن معرفتي به لم تأت إلا متأخرة، ولذا فإن الأيام لم تسعفني أن أغوص في أخلاقه وصفاته الحميدة وأعماله الجليلة الكثيرة التي كان يؤديها في سبيل الله.
كم كنت أرجو أن أسطر عنه الشيء الكثير لكن هذا هو الجهد المتوفر، لا أحب الإطالة في الحديث عنه -رحمه الله- ويكفي أنني متيقن بمشيئة الله، أنه لن ُينْسَى جعله الله من الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون.. اللهم في نهاية حديثي هذا أسبغ عليه الرحمة والمغفرة واجعله في الفردوس الأعلى من الجنة، ووالديه، ووالدينا، وجميع المسلمين آمين..
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.