عرفته منذ عامين تقريبًا، عندما انتقلت للسكن بحي الشروفية في الأحساء شاريًا جيرة هذه الأسرة الفاضلة أسرة الصويّغ الكرام وجمعٌ من الأسر الكريمة التي تقطن هذا الحي.
عرفته بهدوئه ووقاره ونقاء ابتسامته؛ كان ملازمًا الروضة خلف الإمام، كما كان يشجينا عند رفع الصوت في تكبيرات العيد..
كان قدوة لي في النصح؛ يهمس سرًا وسترًا وكأن شيئًا لم يكن، دون التشهير بأبواق مسموعة كما يفعل البعض هداهم الله، وبعيدًا كل البعد عن النميمة والغيبة.
نصحني ذات مرة بعد أن أجريت عملية جراحية قبيل العام تقريبًا عندما كنت أصلي على كرسي ولا أعطي السجود حقه، فلما هممت بالانصراف بعد الصلاة سلمت عليه كعادتي فقال لي بصوت خافت «أعطِ السجود حقه»، فقلت له أبشر وجزاك الله خيرًا، وأنا عازمٌ على الفعل، إِذ كان نصحه نابع من القلب ليستقر بالقلب.
كان يبدي عتابه لي عندما أغضب على أحد أبنائي، إِذ كان يشعرني بأنهم أحفاده.. ويسأل حفيًا عني وعنهم، وعن صحتي وأسرتي.
ذلك هو والدي وقدوتي ومعلمي العم الشيخ عبدالرحمن بن عبدالوهاب الصويغ، صاحب القلب الأبيض والوجه الباسم، جميل السجايا نقي الروح والمظهر والملبس.. فقد كان يهتم بهندامه كثيرًا؛ وكلما رأيته ذكرت الله وباركت ورجوته أن أكون في قادم العمر مثله في نضارته وإشراقه.
رحمك الله أبا محمد توفاك الله بعد تعب من المرض.
ذهبت وتركت لنا أثرًا جميلاً يروى ويسطر للأجيال القادمة عن فضائل غادرتنا معك في زمن المادة والتقنية.
لكن.. سنة الله في الكون الموت والحياة ويبقى لابن آدم السمعة الحسنة ومحبة الناس وذلك ما التمسته حين تشييع جنازته التي حضرها المئات وذلك ليس إلا دلالة على المحبة التي غرست في نفوس من عرفوه.
وأشهد الله الذي لا إله إلا هو أني رأيت جنازتك أيها الكريم تتطاير من بين أيدينا وكأني بها تقول «قدموني قدموني».. كطير يطير إلى عشه سعيد بمأواه، ووالله إني أشعر بها تسابقنا إلى القبر، فما هي الخبيئة التي بينك وبين ربك حتى نرى ذلك.
كان الشيخ عبدالرحمن قصة تروي معنى العطاء والعيش بسلام وفي نهاية فصولها عبارة أن {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ}.
فاللهم أبدله دارًا خيرًا من داره، وأهلاً خيرًا من أهله، اللهم لا تحرمنا أجره، ولا تفتنا بعده،
اللهم وسع له في قبره مد بصره، وأجمعنا به ووالدينا في الفردوس الأعلى من الجنة.
** **
مُسَيِّبْ ابن عبدالرحمن آل مُسَيِّبْ الودعاني - الأحساء