فهد بن جليد
أحياناً أستعين بأطفالي الصغار لتفسير بعض المُصطلحات والمسميات الأجنبية والغربية في «منيو» المطاعم والمقاهي التي نزورها داخل المملكة، أشعر بالخجل عندما تبدو علي الحيرة ويتضح أمامهم أنَّني تائه وسط بعض تلك المسميات ودلالتها، ولا أجدُ مخرجاً إلا الاستعانة بالصور والادعاء بأنَّ ما يحدث هو تغريب واستعمار ثقافي ولغوي، وتذكيرهم بأنَّ لغتنا العربية لها فضل على الأجنبية بأكثر من 200 كلمة ومصطلح إنجليزي أصلها عربي «نطقاً ومعنى» أشهرها Alqorithm المنقولة من الخوارزم، Alqebra المنقولة من الجبر، بل إنَّ أصل Coffee يعود للقهوة، وLemon مُشتق من ليمون.. إلى غير ذلك من الأطعمة والأشربة والمُصطلحات الطبية والعلمية المفقودة والتي أتمنى جمعها في كتاب، لنؤكد ونتذكر قيمة ومكانة وفخامة لغتنا، وتأثير ثقافتنا على الغرب عندما كنا تقود العالم.
هذه الأيام أعكف على بحث عن أسماء الأطعمة والأشربة الشعبية في نجد ووسط السعودية، مسمياتها وأنواعها وأوصافها والفروقات بينها وبين مسميات مثيلاتها في باقي مناطق المملكة، والتغير الغذائي الذي طرأ على الثقافة السعودية بالمُجمل لناحية الأنواع والحاجات، خصوصاً وأنَّ أولويات الإنسان الغذائية تغيرت، ووجدتُ أنَّ ثقافتنا السعودية كبيرة وعظيمة ومتنوعة وغنية وموغِّلة في القدم، تتوارثها الأجيال المُتعاقبة، وهي بحاجة إلى تحرك الباحثين والمؤلفين لحفظ هذا الموروث الشعبي من الاندثار مع ابتعاد كثير من أبناء الجيل الحالي عن استخدام مفردات تلك الأطعمة والأشربة أو حتى تناولها، إلا في مناسبات خاصة أو عند زيارة مطاعم مُتخصصة أو حضور مهرجانات شعبية ربما ساعدت في عودة تلك الأطباق الشعبية وتذكرها والتعريف بها وحفظها، وقد لفت انتباهي في كل مرَّة تفسير مسميات بعض الأطعمة والأشربة الشعبية وارتباطها بحوادث أو قصص طريفة إما حسب المكان أو حسب بيئة الإنسان ولهجته، وقد تفاجأت أنَّ بعض تلك المسميات ليست عربية في الأصل، بل هي مستورَّدة من الخارج إمَّا بواسطة «سياحة» أيام الطيبين أو بفعل التأثير التجاري وتبادل الرحلات.
بالأمس قرأت مقالاً لطيفاً للأستاذ القدير عبدالعزيز الذكير في صحيفة اليوم أضفته لمراجع بحثي عن مفردات «غير محلية» دخلت على لهجتنا الدراجة، ومنها: بشت كلمة فارسية تعني المشلح، بهار كلمة هندية ترمز لبلاد الهند، ديرم كلمة هندية تعني صبغة الرمان، خِبِل كلمة فارسية تعني خفيف العقل، قوطي كلمة تركية تعني علبة من الصفيح، ريغة كلمة فارسية تعني خليط الماء والطين، سرسري كلمة تركية تعني عاطل عن العمل، مالغ كلمة فارسية تعني بلا طعم، كليجة كلمة فارسية تعني القرص الصغير، انظر مقالي بعنوان «أصل الكليجا مصري» المنشور هنا في 14يوليو 2014م.. ممَّا سبق يتضح أنَّ المصطلحات الحديثة والغربية المُتداولة اليوم للأطعمة والأشربة تأتي ضمن دورة طبيعية للتبادل الثقافي واللغوي بين الشعوب والأمم، فلا تثريب على شبابنا عند تداولها واستخدامها فهذه جولتهم ولنا جولات قادمة.
وعلى دروب الخير نلتقي.