فضل بن سعد البوعينين
لم تكن قضية رشوة النظام القطري للاتحاد الدولي لكرة القدم «فيفا» شذوذا للقاعدة التي يتعامل بها المسؤولين القطريين مع شؤونهم الدولية؛ بل هي القاعدة التي تحولت إلى مستنقع آسن لقضايا فساد دولية توشك أن تطبق على النظام السابق والحالي في آن.
استخدمت الاستخبارات الغربية، النظام القطري كأداة من أدواتها المستقلة، للتعامل مع القضايا القذرة التي لا يمكن الدخول فيها لأسباب تشريعية دولية ومحلية، وللنأي بقياداتها عن التداعيات القانونية التي يمكن أن تظهر مستقبلاً فتتسبب بإقصائهم عن المشهد السياسي والأمني والعسكري أو إقحامهم بقضايا لا يمكن الخروج منها أو التعامل مع تداعياتها الإعلامية والأخلاقية والقانونية.
تحولت قطر، بسبب نظام الحمدين؛ إلى بنك مركزي لتمويل عمليات الاستخبارات الصهيوغربية القذرة؛ ومقر تحاك من خلاله المؤامرات الدولية الموجهة ضد الدول الإسلامية والعربية والخليجية؛ وملجأ آمن للتنظيمات الإرهابية وقياداتها الخطرة؛ وحاضنة لأجهزة الاستخبارات الأجنبية. تعامل الغرب مع نظام قطر وفق «عُقده النفسية» التي سيطر عليها داء العظمة، وحب الزعامة، والسيطرة على دول المنطقة، والبروز الدولي من خلال الوساطات، والمشاركات الدولية في الملفات السياسية والعسكرية الساخنة، وتنظيم المنافسات العالمية وفي مقدمها تنظيم بطولة كأس العالم. لم تكن قطر قادرة على منافسة الولايات المتحدة الأمريكية واليابان وكوريا وأستراليا لولا قضايا الفساد التي أحاطت بملف الاستضافة من كل جانب.
وبالرغم من تركيز الإعلام الغربي على ملف الرشى القطرية؛ وهي واقع تثبته الحقائق الدامغة والوثائق الرسمية وقضايا الفساد التي خرج بسببها رئيس فيفا السابق «جوزيف بلاتر» ومجموعة من القياديين؛ إلا أن الدعم الاستخباراتي والتوجيه الرئاسي الأمريكي كان له أثر في فوز الملف القطري، الذي كان مفاجئاً للجميع.
لم يكن ملف الرشوة القطري إلا أداة من أدوات التنفيذ التي تعاملت مع قيادات الفيفا، وقيادات الاتحادات القارية، وفق مخطط استخباراتي محكم يضمن النتائج، ويضع التحكم في مستقبل الاستضافة بيد الدول الغربية الفاعلة، وهو ما نرى إرهاصاته اليوم، تمهيداً لسحب الملف، أو إمعاناً في الابتزاز المالي والسياسي.
كشف «ذا صنداي تايمز» عن مدفوعات سرية بقيمة 880 مليون دولار إلى الفيفا هي بداية مرحلة نشر الحقائق القذرة عن النظام القطري وفساده المالي ودوره في إفساد الفيفا ومخالفته الأنظمة وقوانين النزاهة. وبداية للضغط على الفيفا ودفعه للخروج عن صمته، وإعادة فتح الملف القطري والبدء في إجراءات سحب التنظيم منها.
دمجت قطر بين الفساد المالي، والإداري، والاستخباراتي، واستخدمت ملف حقوق النقل التلفزيوني، والمبالغة في قيمته المالية التي تجاوزت خمسة أضعاف القيمة الحقيقية؛ كجسر لتقديم الرشى للفيفا، وأداة للسيطرة على النقل تحقيقا لأهدافها التخريبية؛ وأجندتها الاستخباراتية التي اشتكت منها الدول الأربع الداعية لمكافحة الإرهاب.
تسبب المال القطري القذر في إفساد الاتحاد الدولي، والمنظومة الرياضية، وخرق أنظمة النزاهة، ومخالفة القوانين الدولية ما يستوجب تحرك الفيفا لمواجهته قانونياً، وتحرك الدول الأعضاء للضغط من أجل سحب حق الاستضافة، وتطهير الرياضة من فساد النظام القطري ونجاسة أمواله القذرة.