عبده الأسمري
يمر العمر وتنقضي السنون وتعبر في الذاكرة مئات المثيرات والمتغيرات وسط أزمنة متغيرة وأمكنة متبدلة يظل الإنسان فيها جائلا نحو قطبية الخير والشر ووسط معادلة الحياة والموت..
ينكص الإنسان إلى سنين ماضية في ارتداد مركز إلى الذاكرة «الوفية» المكتظة بالمحاسن بينما يحول جزءًا منها إلى ذاكرة خائنة تسقط من جنباتها العديد من السوءات عمدًا وجبرًا..
يمتلك الإنسان خطوط رجعة ويملك طرق قدوم فيما تسيطر هوية «المواقف» لتعلن «سلطنة» الذكرى و»سلطان» الاستذكار..
النسيان مفهوم متعدد الاتجاهات عميق الدوافع يرتهن للعقل ويرتكن للقلب يقوم على أسس الأحداث ويرتكز على أصول الذكريات..
تقاوم الذاكرة المستعصية النسيان فتجله «عصيا» على الحضور أمام إحداث الحياة متى ما بالغ الإنسان في استحضار الحدث واحتضار التجاهل ليطغى التذكر معلنا هزيمة «التناسي» لتعلن «هيمنة» الموقف وتسيطر «شيطنة» الإحباط.
للنسيان فوائد شتى تعتمد على قوة الإنسان السلوكية ومناعته النفسية التي تبني «صروح» النسيان من قلب «العصيان» الذاتي للذاكرة مما يجعل الإنسان ماضيا إلى ساحة من «السلوان» المسجوع بتفاصيل «الصبر» المشفوع بمفصلات «العبر» ليتجه الإنسان نحو «تكامل» سلوكي بين مثيرات الحياة واستجابات «الذات»
قد يتحول الإنسان مع تعاقب الفجائع وتسابق الأحزان إلى «شخصية» تجعل من النسيان «خلطة سرية» لبناء «قوام» المثابرة» وهزم «الثبور» وإعلان النصر على «الألم» والظفر بالنجاة من متاهات «السوء».
يعتمد الإنسان يوميا على مئات الملفات التي يجترها من ذاكرته لإسقاطها على أمور حياته والتقاطها لمواجهة متطلبات العيش فينقل سلوكه عبر محطات الحياة وسط شبكة مترابطة من الأحاسيس والمقاييس التي تنتهي بجملة من «الأساليب» التي تصنع يومه وتبلور وقته وترسم تعامله.
بين التذكر المرتبط بالتفكر رابط متين من صياغة «أسلوب» التعاطي مع المؤثرات والمثيرات.. لتكون الذاكرة في حالة «استنفار» لمواجهة كل موجات النسيان بالتأكيد والحفظ والتدقيق والتحذير من تغافل «اللحظة» مع القبض على كل مؤشرات الحدث ووضعها في موقع «عميق» من الذاكرة يظل «عصيا» على النسيان متشددا في مواجهة أي محاولات لتبديد جزئيات التذكير.
يأتي الموت والمرض والسجن والفقر والقهر والظلم في مقدمة «ركب» الملفات «المستعصية» على النسيان وتختلف من شخص إلى آخر باختلاف سطوة «الظروف» وقوة «المصائب» وبتباين إرادة التعامل وإدارة النفس في المقاومة والمواجهة والسير في متراجحة من السلام والاستسلام ومعادلة «غير متكافئة» بين العزيمة والهزيمة.
نستعين أحيانًا بمواقف معينة لتأكيد المرور إلى الذاكرة وسط «أرقام سرية» غيرها «الزمن» وبدلها «الحال» باتت في حاجة إلى استرجاع مرهون بالحفظ التلقائي في وقت تلفظ فيه الذاكرة أحيانًا «بقايا» الألم لتستقبل استجابة معاكسة تزرع الفرح وسط ظلام «ذكرى» سوداوية شوهت وجه «الذكريات» الجميل.
قد يلجأ الإنسان كثيرًا إلى «التدريب» على النسيان في حالة «سيطرة» الأوجاع ويظل متجهًا إما إلى النجاح المرهون بتكرار التجربة وتوظيف النتايج أو الفشل الذي يرميه في خضوع للذاكرة «الإجبارية» المثقلة بالهموم والمتفننة في تدوير السلبيات والآلام والمتاعب ورطبها بتفكير عميق لا ينفك من قيود الذاكرة.
في فكر كل إنسان «غرفة تحكم» لصياغة ملفات الذاكرة وفق الاختيار المنتصر على الإجبار وصولاً إلى «انتقاء» و»ارتقاء» يسعد النفس ويبهج الروح ويعزز العقل ويفرح القلب في استذكار يرسم الانتصار على كل سوء أو حزن تستدعيه الذاكرة لدحر «النسيان».
بين النسيان والسلوان طريق مفروش بالصمود المنبعث من قوة «التحدي» للنفس المطمئنة الراضية بأقدار خالقها والخارجة من مدارات «الارتداد» إلى مسارات الاعتماد لحياكة رداء «اليقين» وصناعة دواء «التفاؤل».