أحمد المغلوث
إن الأحساء منذ أن نشأت هذه الأرض الطيبة، وتشكلت ضمن عالمنا الواسع، وهي تعتبر من أهم المواقع السكانية في العالم، وذلك حسبما كتبه الرحالة والمستكشفون، وحتى مَن عبر أراضيها متجهًا من الجنوب إلى الشمال، أو من الغرب إلى سواحل الخليج، أو خليج «الحسو» كما كان معروفًا قديمًا، وكما هو موجود في خارطة تاريخية، شاهدها وصورها شقيقي مؤرخ الأطالس «سامي المغلوث» في إيطاليا خلال زياراته البحثية. هذه الخريطة النادرة والموجودة في كرة أرضية نحاسية يمتلكها متحف ميلانو، وهي مؤرخة في عام 1693م. وهذا يؤكد بما لا يدع مجالاً للشك حضارة «الأحساء»، وتميُّزها، ومعرفة العالم بها منذ مئات السنين. وهكذا نجد أن الحضارات الأولى مرت من هنا، بل تركت آثارها شاهدة على ذلك؛ فالأحساء معروفة قديمًا باسم البحرين، كما أشار إلى ذلك ابن بطوطة خلال زيارته لهذه الواحة الخلاقة والمبدعة، وبينها وحولها قامت دول عديدة، خرج منها الكنعانيون الذين اتجهوا شمالاً ليواصل أحفادهم ما تعلموه من الآباء والأجداد من علوم وفنون ومعارف وحِرف، أثرت في حياة مختلف المجتمعات.
لقد نقل الفينيقيون فسائل النخيل لدول شمال إفريقيا، بل وصوا بها إلى جنوب إيطاليا وفرنسا، ومن الجزائر انتقلت فسائل النخيل إلى أمريكا مع حملة كرستوفر كولمبس. وفي الأحساء «البحرين» وهجر كانت المنطقة الأعجوبة بنتاجها المتنوع من النخيل والفواكه والخضار، وما صدرته لدول الشمال والشرق عبر القرون من أقمشة وأنسجة وملابس، منها ما هو موجود في المتاحف، والكثير موثق بالصور واللوحات التشكيلية. لقد مرَّ بهذه الأرض الطيبة والخيّرة والوفية سيرًا على الأقدام رحالة ومستكشفون وبحاثة وطلبة علم وتجار وقبائل رُحّل، بعضهم استوطنها بعدما طابت لهم الإقامة فيها. نعم، ساروا إليها على الأقدام وبالجمال والدواب، وبعدها بالمركبات وحتى بالطائرات؛ فمطارها يعتبر من أقدم المطارات في المملكة؛ لقد كان مواكبًا لزمن استكشافش النفط.
الأحساء التي تفخر بأنها جزءٌ من هذا الوطن الشامخ منذ آلاف السنين احتفلت مؤخرًا في ليلة مشرقة بالسعادة والحبور وابتسامات الحضور وهم يشاهدون فقرات احتفالية الأحساء عاصمة للسياحة العربية، وذلك تحت رعاية صاحب السمو الملكي الأمير سعود بن نايف، وبحضور الأمير بدر محافظ الأحساء، وسمو الأمير عبد العزيز بن محمد بن جلوي، ومعالي رئيس منظمة السياحة العربية الدكتور بندر بن فهد آل فهيد. وما زلت أذكر كلمات سمو أمير الشرقية الأمير سعود وهو يقول بكل حب: «إننا اليوم نحتفي بتسجيل واحة الأحساء أرض الكرم والثقافة والشعر والأدب، والنخيل الباسقات، وصدق الانتماء والولاء للأرض والقيادة». وأشار سموه إلى أن الأحساء جديرة بهذا الاختيار لما حباها الله به من مقومات سياحية، أهّلتها لتنال هذا الاستحقاق على مستوى السياحة في وطننا العربي، ولما لها من إرث حضاري ثقافي منذ عصور قديمة؛ فهي من كبرى وأشهر واحات النخيل الطبيعية في العالم؛ إذ إنها تحتضن أكثر من ثلاثة ملايين نخلة منتجة لأجود أنواع التمور، وغير ذلك من المنتجات الزراعية، والحرف التراثية والمنسوجات الحضارية المتميزة.
وماذا بعد؟ ليس هناك بعد؛ فكلمات سموه -حفظه الله- وابتساماته المشرقة هي خير ما يُقال في هذا المقال.