أ.د.عثمان بن صالح العامر
يحظى التبادل الثقافي باهتمام كبير من قبل حكومة المملكة العربية السعودية ومثقفيها والأكاديميين المختصين والمهتمين بالتواصل الحضاري والحوار الثقافي العالمي، خاصة في هذا الوقت بالذات، وذلك لأن:
- المملكة العربية السعودية دولة إسلامية تستقي أنظمتها ومواد قوانينها من القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، وهذا سر تميز نظامها عن باقي القوانين في الدول الأخرى في نقائه وصفائه وثباته على مبادئ راسخة وعادلة، وفي مسايرته للتطورات من حين إلى آخر وفق قواعد الشريعة، ونظراً لذلك فقد كان لزاماً على الأكاديميين والمثقفين فضلاً عن المنظّرين والساسة والإعلاميين بيان شخصية وماهية هذه البلاد والتعريف بها وموقفها من الآخر والتحاور معه كما هو توجيه هذا الدين العظيم «الإسلام»، فضلاً عن أن الإسلام دين عالمي، والرسول الذي أرسله الله بهذا الدين محمد صلى الله عليه وسلم بعث للناس عامة خلاف من سبق من الرسل الذين بعثوا قبله، إذ يقول الله عزَّ وجلَّ عنه: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ}، مما يستلزم الانفتاح على الآخر من أجل عرض معالم هذه الرحمة له بالحكمة والرفق واللين: {ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ}، وهذا ينتهي بنا للحديث عن تبادل ثقافي مرشد.
- أن المملكة العربية السعودية بحكم كونها قبلة المسلمين، ولتشرّفها بخدمة الحرمين الشريفين، جعلها ذلك ملتقى الشعوب من جميع بقاع الأرض مما سهل لها حكومةً وشعباً فتح قنوات التواصل مع جميع البلاد ويسَّر التبادل الثقافي عبر تاريخها المديد.
- أن الكثير من عامة المسلمين ينظر للمملكة العربية السعودية أنها مسؤولة عن التحدث باسم الإسلام والدفاع عن قضايا المسلمين، ولذا فلا عجب أن يكون موقف المملكة العربية السعودية لنصرة المسلمين ومساعدتهم ومساندتهم والوقوف معهم منذ عهد المؤسس جلالة الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود وحتى عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز وسمو ولي عهده الأمين صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز - حفظهما الله ورعاهما- قائماً على مبدأ (جسدية أمة الإسلام الواحدة) «إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى»، ولا أدل على ذلك من الموقف المشرِّف من «القضية الفلسطينية»، وهذا فرض على حكومة المملكة التواصل والتحاور مع بلاد العالم قاطبة، محاولة منها إيصال الصوت الإسلامي من خلال المنابر الثقافية المختلفة، ولمعرفة موقف هذا البلد أو ذاك من هذه القضية بالذات، وهذا في النهاية يعدُّ لوناً من ألوان التبادل الثقافي وبناء المواقف المشتركة إزاء قضية حاضرة بعينها.
- أن المملكة منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر، بل قبل ذلك، هي في قلب الحدث السياسي، وهذا جعلها تبني جسور التواصل مع عدد من الدول المؤثِّرة في القرار الدولي، وتتعرَّف على القيم الثقافية التي تضبط إيقاع السلوك السياسي وتؤثِّر في اتخاذ المواقف، وكذا العكس، خاصة في ظل التضليل الإعلامي العالمي المقصود والتشويه المتعمد أحياناً من قِبَل دول وأحياناً أخرى من قِبَل جماعات وأحزاب واتجاهات عقدية معروفة للتغرير بالشعوب، والنيل من هذه البلاد، والتقليل من جهودها وثقلها العالمي، مما أوجب العمل الجاد لبناء صورة ذهنية إيجابية عن حقيقة المملكة العربية السعودية، ومشروع التبادل الثقافي يعدُّ من أهم الروافد التي بها يتحقق هذا الهدف العزيز.
- أن المملكة بلد مفتوح اقتصادياً، ولها علاقات تجارية وصناعية وعسكرية مع جلّ بلاد العالم وبخاصة الصين، وهذا يتطلب التعارف والتواصل الثقافي من أجل بناء مشاريع مشتركة، والاستيراد والتصدير على أسس متفق عليها من قِبَل الطرفين.
- أن الله منَّ عليها بقيادة واعية ومدركة لأهمية الحوار بين أتباع الأديان والثقافات، داعمة لمشاريع السلام العالمي، وحريصة على الريادة والسبق في كل ما من شأنه مواجهة الفكر المنغلق الرافض للتعاطي الإيجابي مع الآخر، والتعرّف عليه عن قرب، والتواصل الثقافي البنّاء معه، خاصة الفكر الإرهابي المتطرف الذي يدعي وصلاً بالإسلام والإسلام منه براء.
- أن المملكة العربية السعودية حاضنة وداعمة لكثير من المؤسسات والهيئات ذات الصبغة العالمية، التي لها صلات عالمية وتقيم أنشطتها بمختلف البلدان، وهذا يوجب عليها التعرّف على هذه البلاد والتعريف بها وأنشطتها للمسؤولين هناك، وإبرام اتفاقيات ومذكّرات تفاهم، وهذا كله وجه من وجوه التبادل الثقافي المعروف.
- أن هناك الكثير من أبناء المملكة العربية السعودية مبتعثون للدراسة في شرق الدنيا وغربها، وهذا مدعاة للتبادل الثقافي والتلاقح القيمي بين الشعوب، حتى وإن تم بطريقة فردية خارج المؤسسات الرسمية والاتفاقيات الثنائية المعنية، ويشرف على مسيرة وفاعليات هذا التبادل الفعلي السفارات والقنصليات السعودية التابعة لوزارة الخارجية، وكذا ملحقيات وزارة التعليم الثقافية المنتشرة في جميع بلاد العالم كما هو معلوم، كما أن هناك منحاً دراسية للدارسين من مختلف بلدان العالم للدراسة في الجامعات السعودية المختلفة، وهم بدورهم معزِّز للتبادل الثقافي محل الحديث.
- أن التبادل الثقافي أصبح في عالم اليوم ضرورة، والمملكة العربية السعودية أدركت هذا الأمر منذ لاحت في الأفق رياح العولمة، فصار التبادل المعرفي والتواصل الثقافي هَمّ الجامعات ومراكز الأبحاث ومؤسسات صنع القرار والوزارات السيادية ذات الصلات العالمية.
- أن المملكة العربية السعودية قد تواجه غزواً ثقافياً مدروساً وموجهاً، والتبادل الثقافي مع الثقافات التي لم يكن بينها وبين الإسلام صدام ومنازلة عبر التاريخ أحد السبل لمواجهة هذا المد الثقافي الذي لا يخفى أثره الخطير. دمتم بخير وللحديث بقية وإلى لقاء والسلام.