د. أحمد الفراج
بعد اعتقال ضابط سلاح الحدود الأمريكي المتطرف، الذي كان يخطط لاغتيال ساسة ديمقراطيين من العيار الثقيل، ومجموعة من الإعلاميين الكبار، الذين دأبوا على انتقاد الرئيس ترمب، الذي يرى فيه المتطرفون البيض أملاً لاستعادة أمجاد غابرة، اتضح أنه كان على تواصل مع بعض الزعامات العنصرية، وهي زعامات تقود منظمات كثيرة، تتمحور أيدولوجيتها حول سيادة العرق الأبيض، وهذه الزعامات كانت، ولا تزال، موجودة في الساحة الأمريكية، ولكنها مثل معظم زعامات التنظيمات المتطرفة، تتحدث ولا تفعل، بل تنتظر ضحايا مغرراً بهم، يصدقون أطروحاتهم النظرية، ويبذلون أرواحهم فداءً لها، وقد رأينا ذلك من خلال تنظيم داعش، على سبيل المثال، الذي يتمتع قادته بالمال والثراء والحسناوات، ويتركون التضحية بالحياة للأتباع، وغالباً ما يكون هؤلاء الأتباع ممن يسهل خداعهم، نتيجة للضحالة الفكرية والجهل.
إن أيدولوجية اليمين المتطرف تؤكد على أن الحكومة الفيدرالية في أمريكا مخترقة من الأعداء، وبالتالي تُكنُّ العداء لها، وتعترض على كل سياساتها، خصوصاً ما يتعلق بقوانين المساواة بين الأعراق، فهي تؤمن بأن العرق الأبيض يأتي في المرتبة الأعلى بين الأعراق البشرية، كما أنها ضد دفع الضرائب لهذه الحكومة، ويحسن أن نتحدث عن واحد من أشهر العنصريين المتطرفين في أمريكا حالياً، والذي خبا نجمه فترة، ثم عاد للبزوغ مرة أخرى، بعد فوز ترمب بالرئاسة، ونحن نتحدث عن ديفيد دوك، الذي سبق أن قال في معرض حديثه عن المواطنين السود، معترضاً على منحهم الحرية والحقوق ومساواتهم مع البيض: «إن الخيل قدمت للحضارة الأمريكية أكثر مما قدّم لها السود!»، وكعادة الزعماء المتطرفين الجبناء، لم يضح دوك بأي شيء، إذ لا يزال يعيش حياة الرفاه، ويستمتع بشهرته ونفوذه وأمواله.
ولد ديفيد دوك لمهندس بترول، واعتنق أفكاره المتطرفة عن طريق أحد أشهر العنصريين في ستينات القرن الماضي، وليام بيرز، ثم أصبح تلميذاً نجيباً، دفعه طموحه لأن يترشح لانتخابات الرئاسة لعام 1988 و1992، كما ترشح لمجلس الشيوخ ولمجلس النواب، ولمجلس شيوخ ولاية لويزيانا، التي يعيش فيها، وكذلك لمنصب الحاكم لذات الولاية، ومع ذلك لم ينجح إلا بالفوز في مقعد بمجلس نواب ولاية لويزيانا، وذلك في الفترة بين 1989- 1992، وهو منصب لا يوازي طموحه بلا شك، فلو عاش في فترة ما قبل إقرار قانون الحقوق المدنية، أي في خمسينات القرن الماضي، لفاز بمنصب أعلى بكل سهولة، وذلك لما يتمتع به من قدرات على الحشد، وهو لا يزال يطمح في أن يأتي اليوم، الذي تتغيّر فيه موازين القوى في الإمبراطورية الأمريكية، ليتمكَّن من تحقيق حلمه، وحلم المتطرفين البيض، وقد منحه فوز ترمب بالرئاسة بصيص أمل، ولذا عاد للظهور مجدداً، وسنواصل الحديث.