د.عبد الرحمن الحبيب
ثلاثة أخبار عالمية في الأسبوع الماضي أظهرت المملكة كقوة عظمى على مستوى العالم. الأول: دول الاتحاد الأوروبي ترفض بالإجماع مقترح المفوضية الأوروبية بضم السعودية لقائمة الدول التي لا تبذل جهوداً كافية لمكافحة غسل الأموال. الخبر الثاني: تقدم المملكة للمرتبة السادسة عالمياً بالخدمات اللوجستية والخامسة بأساسيات مزاولة الأعمال وفق مؤشر أجيليتي اللوجستي للأسواق الناشئة 2019. الخبر الثالث ما نشرته مجلة «يو إس نيوز وورلد» الأمريكية بقائمة أقوى دول العالم وأكثرها نفوذاً لعام 2019، احتلت السعودية المرتبة الأولى عربياً، والتاسعة عالمياً.
إذا بدأنا بالخبر الأول، فإن اقتراح المفوضية الأوروبية بالقائمة السوداء كان صادماً للجميع، لأنه يتنافى تماماً مع الواقع، فأيّ ملاحظ عابر للسياسة الدولية يدرك بوضوح مدى التزام المملكة بمكافحة الإرهاب وعمليات غسيل الأموال، فالمملكة حليف رئيس أو مؤسس في كافة التحالفات الدولية لتلك المكافحة، ويعد ذلك من الأولويات الإستراتيجية للمملكة ومصالحها العليا.
لذا، فأيّاً كان السبب الغريب بإدراج المفوضية الأوروبية للمملكة من ابتزاز سياسي أو جهل أو خلل وازدواجية معايير فإن الرفض الجماعي لدول الاتحاد الأوروبي جاء كرد طبيعي لمكانة المملكة، وبمثابة «صفعة للمفوضية الأوروبية» على حد تعبير وكالة فرانس برس التي ذكرت «أثار الاقتراح الذي قدمته المفوضية، الذراع التنفيذية للاتحاد الأوروبي، غضب عدة دول وكذلك الولايات المتحدة وتسبب باستياء عواصم أوروبية». وأعربت مجموعة العمل المالي الدولي المكلفة بتنسيق الجهود العالمية لتطهير النظام المالي العالمي، عن قلقها حيال اللائحة السوداء المقترحة من قبل بروكسل، وأنها «لم تبنَ على أساس عملية شفافة ومرنة، وأعرب السفير الأمريكي لدى الاتحاد الأوروبي عن امتعاضه منها، كما اشتكى دبلوماسيون أوروبيون من أن الطريقة التي اتبعتها المفوضية لوضع اللائحة كانت غير واضحة وعرضة لتحديات قانونية.
وكان التحرك السعودي وردّه الهادئ والواثق تجاه اقتراح المفوضية الأوروبية ذكياً وناجعاً، فبعد أن أبدت المملكة أسفها لهذا الاقتراح أوضحت أنها تقود مجموعة عمل مكافحة تمويل «داعش».. ونفّذت خلال السنوات الماضية العديد من القوانين والإجراءات التي تهدف لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب.
وذكر وزير المالية محمد الجدعان: «أن التزام المملكة العربية السعودية بمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب يعتبر أولوية إستراتيجية، وسنستمر في تطوير وتحسين أطرنا التنظيمية والتشريعية لتحقيق هذا الهدف». كما وجّه دعوة للمسؤولين بالمفوضية وأعضاء البرلمان الأوروبي لزيارة الرياض والاطلاع على الجهود المستمرة والمبادرات التي تقوم بها المملكة لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب.. مؤكداً استمرار المملكة بالتواصل مع المفوضية، والحوار البنّاء مع شركائها بالاتحاد الأوروبي لتعزيز ودعم آليات مكافحة غسل الأموال والإرهاب.
أما الخبر الثاني بتقدم المملكة بمؤشر أجيليتي اللوجستي فيؤكد التحسن الملحوظ في بيئة الأعمال فيها باعتباره نقطة ارتكاز أساسية في قدرتها على تحويل اقتصادها بما يتماشى مع رؤية 2030 التي تهدف لوضع السعودية كمركز استثماري ولوجستي قوي يربط بين ثلاث قارات، ويحقق التنوع الاقتصادي بزيادة الإيرادات غير النفطية. هذا المؤشر هو مقياس واسع النطاق يقيِّم القدرة التنافسية لخمسين سوقاً ناشئة حسب قوة الخدمات اللوجستية وأساسيات مزاولة الأعمال؛ حيث كان الترتيب العام: الصين، الهند، الإمارات، إندونيسيا، ماليزيا، السعودية.
وعن تفوق الدول الخليجية على معظم الأسواق الناشئة، قال الرئيس التنفيذي لأجيليتي: إن الأداء القوي الذي قدمته الاقتصادات الخليجية في المؤشر يعزى إلى الاستثمارات الحكيمة في البنى التحتية للخدمات اللوجستية والنقل، وتضافر الجهود في سبيل تحقيق التنوع الاقتصادي والتقدم المطرد على مستوى القوانين.. والتطوير الإستراتيجي للقدرات الرقمية، كما أسهم التنافس الصحي بين الاقتصادات الخليجية في وضع المنطقة بأكملها بالصدارة».
نختم بالخبر الثالث الذي عنوانه: «السعودية عملاق الشرق الأوسط».. كما وصفتها دراسة المجلة المذكورة بالتعاون مع جامعة بنسلفانيا الأمريكية.. ذاكرة بأن السعودية بين أقوى عشر دول بالعالم. اعتمد التقرير بتقييم قوة الدول على حجم اقتصادها، وتأثيرها السياسي على المستوى العالمي، إضافة إلى قدرتها العسكرية. وتقول المجلة أن التصنيف يشمل أيضاً مستوى ثقة العالم بكل دولة، الذي ينعكس على مصداقيتها في الوفاء بالتزاماتها الدولية. واحتلت الولايات المتحدة الصدارة بالقائمة تلتها روسيا ثم الصين وألمانيا وبريطانيا وفرنسا واليابان وإسرائيل والسعودية وكوريا الجنوبية.
وذكرت الدراسة خمس أسباب استندت فيها على اختيار السعودية في هذه المرتبة المتقدمة ذاكرة عدداً من العوامل التي تتمثل بالتعامل مع الأزمات والتفوق العسكري والتأثير السياسي الكبير والسرعة في تشكيل وتقوية التحالفات الدولية بالإضافة إلى القدرات الاقتصادية الضخمة التي تتمتع بها المملكة. ويقول التقرير إن السعودية تمتلك مساحة هائلة من الأرض تتركز ثروات شبه الجزيرة العربية داخل نطاق حدودها الجغرافية. ويضاف إلى ذلك أن تلك الدولة يقصدها سنوياً ملايين المسلمين للحرمين الشريفين.
أخيراً، لا يتسبب اقتراح المفوضية الأوروبية بإدراج الدول على القائمة المذكورة بفرض عقوبات لكنه يلزم المصارف الأوروبية تشديد القيود على التعاملات المالية والمؤسسات لهذه الدول، إلا أن هذا الاقتراح كان صادماً وموجعاً لنا، لكن رفض دول الاتحاد الأوروبي له، وما جادت به الأخبار بذات الأسبوع عن موقع المملكة المتقدم دولياً بمثابة تذكير للعالم بالأهمية العظيمة للمملكة وترسيخ لمكانتها العالمية الجديدة.