يوسف المحيميد
من أغرب المواقف أن يأتي أحدهم، وفي القرن الواحد والعشرين، ليحذر من الابتعاث، ويخوف الناس من التفاعل مع الحضارات والثقافات الأخرى، بوهم تصدير الأفكار، وكأن الأفكار أحجار متوفرة في الغرب أو الشرق على المرء السفر إليها كي يحملها معه أو يتأثر بها، وكأننا في زمن ما قبل نصف قرن، هؤلاء البسطاء ما زالوا خارج العصر التقني الرقمي، عصر الفضاء والأنترنت وانتقال كل شيء في العالم إلى غرفة صغيرة في أقاصي نجد أو في قرى الجنوب والشمال من الوطن.
لماذا يحاولون بين فينة وأخرى استعادة الثرثرة المجانية حول برنامج الملك عبدالله للابتعاث، ويسعون إلى تشويهه، ذلك البرنامج الذي أتاح لأبنائنا فرصة رائعة لم تتح لغيرهم، وجعلهم يعودون مسلحين بمختلف المعارف والثقافات والخبرات التي حتمًا سيكون أثرها كبيرًا على مستقبل الوطن، لماذا هذا اللهاث والإدانة لبرنامج مميز يستثمر في الإنسان؟ وهل تعقل مقارنة أطباء ومهندسين وقانونيين عادوا ليصنعوا نهضة بلدهم بإرهابيين ينتمون أصلاً إلى أحزاب سياسية انقلابية لكنهم عاشوا في الغرب؟ أي مقارنة ساذجة بين طالب علم وطالب حرب وفوضى؟
لا أعرف لماذا حتى هذا اللحظة، ورغم تغير الزمن، ما زال هناك من يخشى التغيير، أليس التغيير سنة الحياة، أليس الكون بأكمله يتغير ويتجدد؟ ألم يقل الإمام الشافعي في قصيدة كلها حكم رائعة يحث فيها على السفر، وضرورة التغيير:
إني رأيت وقوف الماء يفسده
إن سال طاب وإن لم يجرِ لم يطب
إلى هؤلاء الواقفين كأحجار على أطلال الماضي، لن يقف الزمن، ولا الجيل القادم، المقبل بشغف على الحياة والعلم والمعرفة، عن السير أماما، ولن تتوقف عجلة الحياة والتغيير، ولن تعود إلى الخلف، وستصبح أحلامكم وثرثراتكم من قبيل الذكريات المسلية.