محمد آل الشيخ
فضيحة رئيس وزراء قطر السابق حمد بن جاسم آل ثاني في تعامله مع بنك باركليز الإنجليزي، لا يمكن إلا أن تتفاعل، وتكبر وسيكون لها قطعاً تبعات على مستويات مختلفة، ولا يمكن التنبؤ بنتائجها؛ فنظام الحمدين عُرف عنه أنه غارق في كل أنواع الفساد، وعلى رأس هذا الفساد (التعامل بالرشوة) إذا أرادا الوصول إلى هدف معين، سواء كانت هذه الرشوة بشكل مباشر كتقديم الأموال مباشرة للدفع باتجاه اتخاذ قرار معين، لغاية يرمون إليها، كما حصل في استضافة قطر لكأس العالم عام 2022، أو بطريق غير مباشر كتوفير خدمات شخصية خاصة لمن لهم قدرة على التأثير في القرار؛ ويعتبر القطريون - بالمناسبة - (الرشوة) وسيلة لا غنى عنها في ممارساتهم السياسية أو الاقتصادية. غير أن فضيحة ابن جاسم هنا تنطوي على الإضرار بمصالح قطر العليا لاقتطاع أموال بطرق غير مشروعة، وتحويلها إلى حسابه الخاص.
وليس غريباً أن أمير قطر، ووالده، لم يصدر عنهما أي رد فعل تجاه هذه اللصوصية المكشوفة، والتي أصبحت على كل لسان؛ بل على العكس من هذا, فقد منحته السلطات القطرية موقعاً دبلوماسياً في السفارة القطرية في لندن، لكي يكون له حصانة للحماية من الاستدعاء للتحقيق القضائي الذي يجري حول هذه الفضيحة في لندن وكشف المتورِّطين في هذه الحادثة المخجلة.
إصرار السلطات القطرية على حماية ابن جاسم، يحتمل احتمالين: إما أن سرقة أكثر من 300 مليون جنيه إسترليني لا تستوجب العقاب بقدر ما تستوجب العتاب والتوبيخ، لأن المال القطري هو حق خاص يعود للأمير ووالده، ويتصرفان فيه تصرف الملاَّك في أملاكهم. والاحتمال الثاني أن هناك سبباً آخر يخفى علينا، في تلك الإمارة الصغيرة، والتي يكتنف علاقات أصحاب السلطة فيها غرائب وأسرار لا نعرفها؛ فأغلب الظن أن ابن جاسم يتمتع بحصانة أسبغها عليه والد الأمير، تجعله فوق أي مساءلة أو محاسبة، نظراً لأنه لو تعرض للمساءلة لكَشف من الأسرار ما يزلزل الأرض تحت قدمي الأمير ووالده؛ أي أنه بالمختصر المفيد (يبتزهما) بما لديه من أسرار خطيرة لو أنهما حاسبوه، أو حتى تركوه وحيداً يواجه مصير لصوصيته وفساده أمام القضاء الإنجليزي، ولا سيما أن هناك ممارسات سياسية واقتصادية وحتى رياضية كثيرة قامت بها السلطة القطرية تفوح منها رائحة الفساد. ولا يخفى على القطريين أن ابن جاسم هذا أسطون من أساطين الفساد في الداخل القطري، فقد استولى بنفوذه وامتلاكه لتوجيه القرار على كثير من وكالات الشركات التجارية في الدوحة، حتى أصبح يُعرف بين القطريين بأنه (لص قطر الأول)؛ فالأمير ووالد الأمير ووالدته يقتطعان مباشرة من ريع الغاز وريع الصندوق السيادي القطري، أما ابن جاسم فإن حصته من الثروة القطرية تأتيه من سمسرته على توظيف أموال الصندوق السيادي، واقتطاع حصته من السمسرة على قرارات استثماراته، أما أهل قطر فليس لهم إلا الصمت والصبر على هذا الابتلاء.
فضيحة ابن جاسم هذه -كما أكد لي أحد الأصدقاء القطريين- ليست سوى رأس جبل الجليد الذي انكشف، أما ما تحت الأرض فهو الأدهى والأمر، وستتوالى الفضائح تباعاً.
إلى اللقاء