د. محمد عبدالله الخازم
تعتمد رؤية المملكة في طموحاتها على تطوير الإنسان قبل المكان، لأنه العنصر الفعَّال في إدارة الاقتصاد والتنمية. وقد شدد عرَّاب الرؤية سمو ولي العهد على ذلك في أكثر من لقاء ومناسبة، ولا شك أن تنمية الإنسان وتنمية المناطق واقتصادياتها ومجتمعاتها المحلية وثقافتها التي تمثل من ثقافة وطنية أشمل تعتمد أو جزء مهم منها يعتمد على الجامعات، وقد أصبحت تتواجد في كل منطقة ومحافظة. كانت أحد الصعوبات في تأسيس الجامعات السعودية هو بدء عدد كبير منها في وقت واحد مما يجعل مسيرتها تسير بشكل متشابه من النمو أو التعثر.
أمام تواضع صوت الجامعات وغياب دور الوزارة الراعية لها في طرح مشكلاتها على طاولة النقاش، تعيش الجامعات صعوبات كبيرة في مجال اكتمال مقراتها، وقد وضعت في مأزق بسبب ذلك حيث بدأت برامجها الأكاديمية بناء على خططها الإنشائية فعلقت في المنتصف، أسست البرامج وتعثرت المشاريع، لا هي تستطيع التراجع في برامجها الأكاديمية ولا هي قادرة على تنفيذها كما يجب. على سبيل المثال بدأت الكليات الطبية على أساس اكتمال المستشفيات الجامعية خلال عامين أو ثلاثة، فوصل الطلاب سنواتهم الأخيرة دون توفر مستشفى مثالي يتدربون فيه. ومع استثاء أربع أو خمس جامعات من الأمهات أو من كان لها استثناء خاص، تترنح مشاريع الجامعات لفترات تمتد إلى عشر سنوات وأكثر. المناطق وضعت أحلامها على تلك الجامعات لتسهم في نهضتها وفي خدمتها اقتصاديًا وصحيًا واجتماعيًا، ولكن الجامعات متوارية لأنها تعاني في عدم توفر المقرات المناسبة لتقديم خدمات أكاديمية متميزة ولخدمة مجتمعها في المجالات كافة.
نحن بحاجة ماسة للالتفاف نحو مختلف جامعاتنا والنظر في إكمال مشاريعها وبناها التحتية. نحتاج إلى مشروع وطني تنموي ينهي معاناة خمس وعشرين جامعة - على اعتبار وجود أربع أو خمس جامعات فقط مكتملة بنيتها التحتية- وفروعها في موضوع المقرات والمنشآت والبنى التحتية. المطالبة بإكمال مشاريع الجامعات في المناطق تعني خدمة الإسكان وخدمة البلديات وخدمة الصحة وخدمة التعليم وخدمة الترفيه وخدمة الثقافة وخدمة السياحة وغيرها في مناطقها. أي أننا لا نبني جامعة بالمنطقة فقط وإنما نقدم خدمات وندعم مختلف القطاعات بمنطقتها.
لا أدري كيف يكون التمويل، فتلك تفاصيل تحتاج إلى البحث؛ هل تكون من ميزانية الدولة مباشرة أم أنظمة تمويلية أخرى؟ هل نبادر بمشاريع الجامعات بشكل فردي لكل جامعة أم عبر مشروع وطني شامل؟ تلك تفاصيل تحتاج إلى نقاش، لكن المؤكد أن الجامعات بمواردها الذاتية لا يمكنها تنفيذ مشاريع البنية التحتية الضخمة التي تحتاجها، كما أنه لا يمكن الاستمرار في لوم الجامعات على عدم وفائها بما هو متوقع منها ونحن لا ندعم الأساسيات التي هي بحاجة إليها ونصرف قياداتها عن التطوير الأكاديمي والبحثي والمجتمعي إلى صداع المباني المؤقتة وقاعات التدريب غير المهيأة والإيجارات...الخ. قريبًا سيقام مؤتمر التعليم العالي، وكم أتمنى تولي الجامعات عرض مشاريعها المتعثرة والتي لم تبدأ لنبحث حلولاً لها بدلاً من المنافسة في بناء الديكورات وإحضار الصقور والتمور والعسل وزيت الزيتون، كما تفعل كل عام.