د.ثريا العريض
مر يوم 8 مارس الذي خصص عالميا للاحتفاء بالمرأة. ولكن الأهم عالميا من الاحتفاء يوما في العام أن تقنن أوضاع المرأة لتضمن أن تنال كل حقوقها كإنسانة دون أن تحرم من أي منها بسبب أنوثتها. تتفاوت المجتمعات في التعامل مع المرأة. ولكن التحيز ضد المرأة ما زال القضية المصيرية بالنسبة لملايين النساء في شتى أنحاء العالم.
من هنا انطلقت اتفاقية عدم التمييز ضد المرأة التي وافقت عليها كثير من الدول رسميا من بينها المملكة العربية السعودية مع بعض التحفظات.
الحمد لله أن رؤية ومبادرات التحول نجحت في رفع بعض نواحي معاناة المرأة وإعادة التوازن المجتمعي في معاملتها, مثلا قرار السماح بسياقة السيارة, وتقنين أمور النفقة والحضانة في حالات الطلاق. بالرغم من هذا لا زال البعض يقاوم مستمرا في ممارسة القمع والاستغلال, ما يتطلب أن يستحدث تقنين شامل يطبق على الجميع خاصة في تنظيم العلاقات الأسرية وحقوق النساء والقصّر لمنع الإساءة إليهم ومعاقبة المخالفين. وقد تكررت المطالبة بإعادة النظر في حقوق المرأة والأعراف المعتادة والممارسات التي تسمح في الأوضاع المجتمعية الراهنة بحرمان بعضهن من بعض حقوقهن الشرعية كالإرث والراتب واختيار الزوج وحرية الحركة من قبل الأسرة أو حتى المجتمع تحت مظلة القوامة والولاية. وهي قضية مصيرية سواء نظرنا إليها في إطار إنساني أو حقوقي أو اجتماعي أو اقتصادي. هي باختصار ليست متضادة مع «الشرعية», ولا هي مؤامرة تغريبية كما يحاول البعض تصويرها.
في مفهوم ولاية الأمر والقوامة يحدث لبس في المنطلقات والتعريفات. فحين يطالب البعض أن نضعها في إطار العلاقات المجتمعية القابلة للتطويع حسب ما تتطلبه ظروف الأوضاع الخاصة بالمرأة المعنية في الأسرة المعنية في الزمن الراهن, يراها البعض الآخر في إطار ثابت يوصلونه إلى التحجر القاتل للفعالية ولاستمرارية الشعور بالاستقرار والأمن الفردي والرضى. مع الأسف يعيدها البعض بسطحية تفهم إلى الأصول والتعليمات الشرعية, ويمنحها صفة الثوابت التي تمنع عنها المرونة في التعامل مع التفاصيل. ولا يرون أنهم بهذه الرؤية يسلبون من تعليمات ديننا السمح أهم صفاته وهي المرونة والصلاحية لكل زمان ومكان وقدرة التعامل مع الضروريات وموازنة المحظورات في ضوء الأوضاع الخاصة وليس الفرضيات العامة.
وهذا التضارب بين رؤيتين أحدهما منفتحة والأخرى منغلقة لأسباب متعددة, أمسى وأضحى بعد التغير الملموس الذي جاءت به التطورات المجتمعية: من حيث نشر التعليم للجنسين, وتغير أسلوب الحياة من البساطة إلى التعقيد الحضاري, وتضاعف احتياجات ما يضمن المستوى المعيشي اللائق أو المرغوب فيه. لم تعد مشاركة النساء في العمل الوظيفي والاستثماري ترفا بل ضرورة مصيرية للكثير من الأسر التي لا يكفيها لتحقيق هذا المستوى عائل واحد. بل في بعض الحالات المرأة هي العائل الرئيسي أو الأوحد. ولكي تستطيع المرأة أن تقوم بدورها بفعالية وكفاءة يجب أن تتغير معادلة ممارسات المجتمع وتفسيرها لموقع المرأة, بما يفسح لها مجال التصرف واتخاذ القرار المتعلق بها مباشرة دون المرور بتعقيدات أهواء الوسيط أو تحيزات تفضيلاته الفردية الخاصة به وقبوله التصريح لها بما تستطيع أو لا تستطيع فعله.