في دراسة أجراها الدكتور سعود بن عبدالعزيز بن راشد آل رشود – استاذ علم الجريمة المساعد، رئيس قسم الاجتماع والخدمة الاجتماعية بكلية العلوم الاجتماعية بجامعة الامام محمد بن سعود الاسلامية– بعنوان دور الإنترنت في تعزيز الأمن القومي ضد الجريمة: «دراسة تحليليلة للأساليب الوقائية بالمواقع الإلكترونية لوزارات الداخلية العرب» خلصت الدراسة إلى التعرف على دور الإنترنت في تعزيز الأمن القومي ضد الجريمة مع التركيز على المواقع الإلكترونية لوزارات الداخلية العربية، وتحديد المستهدفين من محتوى المواقع الإلكترونية لوزارات الداخلية العرب، والوقوف على الأهداف الرئيسة للمواقع الإلكترونية لوزارات الداخلية العرب على مستوى تعزيز الأمن القومي، فضلاً عن رصد المعوقات التي تحد من فاعلية دور المواقع الإلكترونية لوزارات الداخلية العرب في تعزيز الأمن القومي ضد الجريمة.
وقد خلصت الدراسة على ثلاثة مفاهيم هي الإنترنت، الأمن القومي، والجريمة انطلاقاً من توجهها النظري الذي يرتكز على مدخل الغرس الثقافي، وتنتمي هذه الدراسة إلى الدراسات الكيفية التحليلية استناداً إلى منهج دراسة الحالة، وقد استعان الباحث في سياقه باستمارة تحليل المضمون الكيفي والكمي؛ وعينة الحصر الشامل لمجتمع الدراسة.
تلخصت مشكلة الدراسة في تحليل ودراسة الأساليب الوقائية التي تعتمد عليها المواقع الإلكترونية لوزارات الداخلية العرب المتمثل عددهم في (22) موقع وفقا لعدد الدول العربية بواقع موقع واحد رسمي لكل وزارة بالدولة لتحديد أوجه الشبه والتقارب في السياسات الوقائية وتمييز أوجه الإختلاف، وبيان الأهداف الرئيسة لهذه المواقع، وأهم الخدمات الأمنية التي تضطلع المواقع الأمنية للقيام بها، والكشف عن الأنماط الاتصالية التفاعلية التي تعتمد عليها للتواصل مع المواطنين، وأخيرا الكشف عن المعوقات التي تحد من فاعلية هذه المواقع في تعزيز الأمن القومي ضد الجريمة، وأهم التوصيات المقترحة لمواجهة هذه المعوقات وتعزيز دور الإنترنت بوجه عام والمواقع الإلكترونية بوجه خاص في إرساء مبادئ الأمن القومي ضد الجريمة.
برزت أهمية الدراسة في محاولتها التوصل إلى مجموعة من النتائج العلمية الهادفة إلى تحليل واستقراء الدور الرئيس للإنترنت في تعزيز الأمن القومي والكشف عن أهم الاستراتيجات التي تعتمد عليها المؤسسات والأجهزة الأمنية في عملية التعزيز، وتقييم هذه الاستراتيجيات في ضوء الخدمات وسبل الاتصال التفاعلية التي توفرها الشبكة العنكبوتية.
وقد أسفرت نتائج التحليل عن العديد من النتائج المهمة:
أوضحت النتائج أن الفرد يأتي في مقدمة الفئات المستهدفة من محتوى المواقع الإلكترونية لوزارات الداخلية العرب بنسبة (33.9 %)، تلاه المؤسسات الأمنية في المرتبة الثانية بنسبة (27.7 %)، ثم فئة الإعلاميين في المرتبة الثالثة بنسبة (24.6 %)، وفي المرتبة الرابعة والأخيرة جاءت فئة الوزارات الحكومية بنسبة (13.8 %) من إجمالي مجتمع الدراسة.
ويمكن تفسير هذه النتيجة إلى مدى وعي القائمين على مواقع وزارات الداخلية العرب بمكانة الأفراد؛ بوصفهم جوهر الأمن القومي والغاية الرئيسة من منظومته الشاملة بكافة أبعادها ومجالاتها الأمنية ومستوياتها؛ التي تُعنى بالتخلص من كافة ما يهدد أمن الأفراد السياسي والاقتصادي والاجتماعي والبيئيي والثقافي، والتركيز على توعيتهم بالجرائم التقليدية والمسحدثة وأساليب مكافحتها والوقاية منها، فضلاً عن تعزيز القيم الأمنية لدى الأفراد تزامناً مع تعزيز المواطنة والمسؤولية المجتمعية الهادفين إلى إرساء الأمن القومي والاستقرار هذا من ناحية. ومن ناحية أخرى تعكس هذه النتيجة مدى وعي الوزارات بأهمية التكامل بين الفئات المستهدفة من الأفراد ورجال الأمن والإعلاميين والوزارات والمؤسسات الحكومية على الرغم من التباين في ترتيبها، بالإضافة إلى قدرة الإنترنت في الوصول إلى الفئات المستهدفة من المضامين المنشورة على المواقع الإلكترونية وتمكينهم من التفاعل مع هذه الرسائل.
أشارت نتائج الدراسة إلى أن أبرز أهداف المواقع الإلكترونية لوزارات الداخلية العرب على مستوى تعزيز الأمن القومي تتمثل في: (أ) التوعية بأساليب الجريمة وسبل مكافحتها بنسبة (18.6 %)، (ب) تعزيز الأمن والاستقرار بنسبة (17.8 %)، (ج) سهولة الحصول على الخدمات الأمنية بنسبة (17 %) من إجمالي الأهداف المرجوة.
وعليه تتأكد أهمية التوعية الأمنية كهدف رئيس للمواقع الإلكترونية؛ من منطلق: (أ) تعريف المواطنين بأساليب ارتكاب الجرائم التقليدية والإلكترونية وطرق الوقاية منها، (ب) غرس القيم الأمنية في نفوس المواطنين، (ج) تشجيعهم على تغيير أنماط سلوكهم السلبي، (د) تزويدهم بالحقائق والمعلومات الأمنية، (هـ) تحفيز الاتجاهات الأمنية الإيجابية لدى الأفراد واستشعارهم للمسؤولية والولاء الاجتماعي وقيم المواطنة البناءة، (و) المحافظة على الكيان المجتمعي، (ز) تمكين المواطنين من إدراك مهددات الأمن القومي وسبل مواجهتها، (ح) التعريف بالجهود الأمنية المبذولة.
أفادت جميع المواقع الإلكترونية لوزارات الداخلية العرب، بأن خدمة أخبار الحوادث والقضايا تحتل مقدمة الخدمات الأمنية على مستوى تعزيز الأمن القومي ضد الجريمة بنسبة (25 %)، تلاها تأمين الخدمات الأمنية بنسبة (21.6 %)، ثم تقديم الخدمات الأمنية الإلكترونية بنسبة (15.9 %)، مقارنة بتراجع خدمات تأمين الخدمات العامة، الاستشارات الأمنية، التشبيك المؤسسي على التوالي بنسبة (6.8 %، 5.7 %، 4.5 %) من إجمالي خدمات المواقع الإلكترونية.
وبإمعان النظر في هذه النتيجة يتضح أن خدمة أخبار الحوادث والقضايا الأمنية تستحوذ على جل اهتمام المواقع الإلكترونية؛ بوصفها إحدى الخدمات الحيوية التي تقدمها المواقع على سبيل التعريف بالجهود الأمنية المبذولة والترويج لها بين الأفراد هذا من ناحية. وجديرُ بالذكر أن هذه الخدمة تمثل القاسم المشترك بين جميع المواقع الإلكترونية لوزارات الداخلية العرب؛ رغماً عن التفاوت النسبي في الاهتمام بها، خاصة وأن بعض المواقع تنظر إليها بوصفها الخدمة الرئيسة والأساسية من إنشاء الموقع فنجدها تسهب فيها إلى حد الإفراط، مثال ذلك: موقع وزارة داخلية سوريا وتونس وعمان، مقارنة ببعض المواقع التي تسعى إلى التوازن بين هذه الخدمة وبين الخدمات الأخرى مثال ذلك: موقع وزارة الداخلية المصرية وموقع وزارة الداخلية اليمنية والجمهورية الليبية، بينما نجد الأمر مختلف في مواقع وزارات الداخلية العرب في كل من المملكة العربية السعودية والإمارات والبحرين والكويت حيث تنظر إلى هذه الخدمة نظرة متوازنة فنجد تلك الدول تتميز بعدم الإسراف والتوسع في نشر أخبار الجريمة لإنشغالهم بأمور أكثر أهمية على المستوى الأمني.
وجديرُ بالذكر أن الموقع الإلكتروني لوزارة الداخلية للمملكة العربية السعودية يتميز بتوفير العديد من الخدمات الأمنية عبر نظام أبشر الإلكتروني الذي أطلقته الوزارة لتسهيل المعاملات الأمنية على المواطنين عن طريق البوابة الإلكترونية الخاصة به دون الحاجة إلى مراجعة الإدارات الأمنية، خاصة وأن هذا النظام الإلكتروني يهدف إلى التقليل من أعداد المراجعين المكتبيين وتوفير الخدمات الإلكترونية بسهولة ويسر، بل ومجاناً على مدار اليوم دون عناء الانتظار في الطوابير والزحام الذي نشهده الآن في بعض الدوائر في بعض البلدان العربية.
وقد أثبتت نتائج الدراسة أن مواقع وزارات الداخلية لدول المملكة العربية السعودية، الإمارات العربية المتحدة والكويت والبحرين ترتقي إلى المستوى الأول في تعزيز الأمن القومي ضد الجريمة، وقسمت باقي الدول على مستويين أدنى بشأن تعزيز الأمن القومي ضد الجريمة. والمتتبع لنهضة هاذين البلدين يعي أن هذا التقدم والتطور لم يأت من فراغ وإنما جاء عقب المزيد من الجهود الحثيثة وتوافر الإمكانيات والموارد المادية والمعنوية التي أكسبتهم الرؤية الأمنية الموضوعية، ودفعتهم إلى الخروج من بوتقة الدعاية والترويج إلى بوتقة التوعية والتنشبيك خاصة وأننا أمام رؤية أمنية طموحة تتطلع إليها جميع الدول العربية، وتسعى من خلالها إلى تعزيز أمنها الإلكتروني والتحول إلى تقنية الخدمات ورقمنتها؛ لذا من المتوقع أن تتطور المنظومة الأمنية الإلكترونية للدول العربية في ظل معطيات المستقبل، ولكن الحقيقة التي سوف تظل دائماً هي الفجوة بين ركاب التطور ومستوياته لجميع الدول.
لاشك أن المواقع الإلكترونية تؤدي دوراً رئيساً في عملية تعزيز الأمن القومي ضد الجريمة من منطلق العديد من الأهداف الفرعية، والتي جاء في مقدمة التعريف بالأساليب الإجرامية، والمخاطر والآثار الناجمة عنها سواء على مستوى الفرد أو المجتمع، وتأمين الخدمات الأمنية بوجهٍ عام، وتأمين الخدمات الإدارية بوجهٍ خاص، بالإضافة إلى التواصل مع المواطنين بهدف الرد على استفساراتهم الأمنية، أو الاستجابة إلى بلاغاتهم حول الجرائم، وإبراز القيم الأمنية والعمل على غرسها في نفوس المواطنين، وغير ذلك من الجهود الفعالة التي تسهم في التعريف بالجهود التي تبذلها المؤسسات الأمنية على مستوى المجتع العربي، وعليه فقد خلصت الدراسة إلى النتائج التالية:
تتسم معظم المواقع الإلكترونية لوزارات الداخلية العرب بالشكل الجيد وسهولة الوصول إليها؛ من خلال البحث في المحركات البحثية المتوفرة على شبكة الإنترنت.
صعوبة الوصول إلى المواقع الإلكترونية لوزارات الداخلية للدول التالية: السودان، موريتانيا، جيبوتي، جزر القمر.
يأتي المواطنون في مقدمة الفئات المستهدفة من المواقع الإكترونية لوزارات الداخلية العرب، تلاهم المؤسسات الأمنية، ثم فئة الإعلاميون، وأخيراً الوزارات الحكومية.
تتمثل أبرز أهداف المواقع الإلكترونية على مستوى تعزيز الأمن القومي في: (أ) التوعية بأساليب الجريمة وسبل مكافحتها، (ب) تعزيز الأمن والاستقرار، (ج) سهولة الحصول على الخدمات الأمنية.
أفادت جميع المواقع الإلكترونية لوزارات الداخلية العرب بأن خدمة أخبار الحوادث والقضايا تحتل مقدمة الخدمات الأمنية على مستوى تعزيز الأمن القومي ضد الجريمة، تلاها تأمين الخدمات الأمنية، ثم تقديم الخدمات الأمنية الإلكترونية، مقارنة بتراجع خدمات تأمين الخدمات العامة، الاستشارات الأمنية، التشبيك المؤسسي على التوالي من إجمالي خدمات المواقع الإلكترونية.
تعتمد المواقع الإلكترونية على العديد من أنماط الاتصال الاجتماعية للتواصل مع المستهدفين من عملية تعزيز الأمن القومي ضد الجريمة؛ يأتي في مقدمتها ثلاث أنماط رئيسة هي: (أ) النمط الأول: تطبيقات التواصل الاجتماعي مع التركيز على الفيس بوك والتويتر والانستجرام، (ب) النمط الثاني: الأرقام الساخنة، (ج) النمط الثالث: البريد الإلكتروني.
تتمثل أهم الوسائل الوقائية التي تعتمد عليها المواقع الإلكترونية لوزارات الداخلية العرب في تعزيز الأمن القومي ضد الجريمة في (1) الاعتماد على الكفاءات التقنية المتخصصة، (2) تأهيل وتدريب العناصر الأمنية، (3) تأمين طرق الحصول على الخدمات.
تتضح أهم المعوقات التي تحد من فاعلية دور المواقع الإلكترونية لوزارات الداخلية العرب في تعزيز الأمن القومي ضد الجريمة في: (1) الفهم الخاطيء لتعزيز الأمن القومي، (2) غلبة الطابع الخبري، (3) غياب التنسيق مع المؤسسات.
في ضوء ما أسفرت عنه الدراسة من نتائج، فقد تمكن الباحث من التوصل إلى مجموعة من التوصيات الهامة؛ الهادفة إلى تفعيل دور الإنترنت في تعزيز الأمن القومي ضد الجريمة، وتتمثل هذه التوصيات في:
الوقوف على المعنى الموضوعي للأمن القومي بوجهٍ عام، وتعزيز الأمن القومي ضد الجريمة بوجهٍ خاص.
الاستثمار الجيد لدور الإنترنت على مستوى تعزيز الأمن القومي ضد الجريمة سواء من حيث الوقاية أو المكافحة الايجابية.
التأكيد على أهمية التعاون والتنسيق الدولي بين وزارات الداخلية العرب؛ لدعم أمنهم الإلكتروني والارتقاء بمواقعهم الإلكترونية.
التأكيد على أهمية الاستعانة بالعناصر الأمنية التي تتمتع بدرجة عالية من المهارة التقنية في مجال أمن المعلومات.
مراعاة وضوح الأهداف الأمنية الإلكترونية وواقعيتها؛ سواء من حيث القدرة على إنجازها وضمان ولاء الأفراد نحوها، أو من حيث القدرة على التفاعل معها وتطويرها.
غرس القيم الأمنية والمجتمعية الهادفة إلى تعزيز الإيجابية والولاء والإنتماء الأمني في نفوس الأفراد، واستشعار روح المسؤولية المجتمعية لديهم.
التوسع في التشبيك بين الخدمات الأمنية والخدمات الإجتماعية الرسمية وغير الرسمية؛ بهدف تأمين احتياجات المواطنين الأساسية.
عدم التوسع في نشر أخبار الجريمة والترويج للجهود الأمنية المبذولة من قبل رجال الأمن والمؤسسات الأمنية والاكتفاء بوسائل التواصل الأخرى كالتويتر والفيس بوك والانستغرام والواتس أب؛ كي لا يتحول الموقع من منصة توعوية أمنية إلى منصة دعائية لا تحظى بثقة المواطنين.
إتاحة المزيد من أنماط الاتصال الفعالة لسهولة التواصل مع المواطنين بشكل مستمر ومنتظم؛ بهدف الوقوف على اتجاهاتهم الأمنية أول بأول.
استحداث نظام إحصائي جنائي إلكتروني؛ يُعنى بتوفير الإحصاءات الدقيقة والموضوعية حول حجم الجرائم المعلوماتية والمتغيرات والعوامل المؤثرة فيها.
** **
د. سعود بن عبدالعزيز ابن راشد آل رشود - أستاذ علم الجريمة المساعد - رئيس قسم الاجتماع والخدمة الاجتماعية بكلية العلوم الاجتماعية بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية