د. هيا بنت عبدالرحمن السمهري
في مساء الأربعاء الماضي خرج نادي الرياض الأدبي إلى المشهد الصحفي فارتادَ قمتَه؛ وذلك عندما استضاف النادي سعادة رئيس تحرير صحيفة الجزيرة الأستاذ خالد المالك ضمن منتدى الشباب الإبداعي الذي من برامجه طرح تجارب عمل رائدة أمام الشباب لتجسير الفوارق وتمثل القدوة، وتحفيز النهوض الذي ينشدهُ الوطن؛ وهو حراك محمود لو أُحسن استثماره للمستهدفين الشباب الذين انحسر حضورهم في تلك الليلة! وكانت التجربة التي تناولها الأستاذ خالد المالك محفزة ثرية كُشفتْ خلالها معطيات صحيفة نابضة بالحياة هي «الجزيرة» فاجتمعتْ أطايب المضمون، وشكول الطرح من المتحدث المخضرم؛ ومما تبين أن النادي الأدبي بالرياض كان بعيد عهد برئيس تحرير صحيفة الجزيرة وهي التي شقت عنان السماء في البدايات التي كانت الصحف تحبو دون أربع «وذلكم خبن في رباط الثقافة والأدب الذين لا ينقلُ وهجهما إلا المؤسسات الصحفية العريقة!! ولكن يحمد للنادي ذلك الصحو الحديث! حيث إن تجربة خالد المالك الصحفية وثيقة تاريخ وبناء وتأسيس؛ ففي ذلك المساء وفي تلك الندوة تربعتْ مناقبُ شخوص مثلى في رجل واحد هو خالد المالك الذي استبقت صحيفة الجزيرة» بين يديه الخيرات.
فقد كان صانع توجه في الصحافة حتى تسلم رئاسة هيئاتها محليًا وخليجيًا، كما أنه قائد إداريٌ يُحسنُ باقتدار صياغة المسارات الخصبة، وبناء محطات الانتقال الزاخرة بالتمكين والمكانة، فأجاد صناعة القلم الذي يقرّر علاقة «الجزيرة» مع محيطها، ودأب على تمتين مقومات تلك العلاقة، وأبدع في صياغة استراتيجية نهوض الأقلام من دوائر الذاتية إلى جلب الآخر وجذبه، ونجح باقتدار أن يجعل الفكر الإعلامي في «الجزيرة» في حالة دائمة من التحفيز، كما استطاع بحرفنة عالية أن يزرع الثقة بمتانة الأرض تحت الخطوات القادمة، وجعل «المالك» بساط «الجزيرة» يعبق من مسافات بعيدة، فانجذب المجتمع إليها يسكن إلى اعتدالها، ويمتح من حدبها على واقعهم حتى ينهض من كبوته ويشرق محفزًا، كما أن «الجزيرة» تصدح في الوقت نفسه بالمنجز المجتمعي النامي؛ وتشيد بدعائمه وأوتاده، ، فنافس حضور صحيفة الجزيرة في مسار خدمة المجتمع قنوات اختصاصها، ودفع المثقف خالد المالك بـ»الجزيرة» إلى حواضر المشاركة في البحوث والدراسات التي تهم الواقع الثقافي فتربع اسم «الجزيرة» على الكراسي البحثية، وكان سعادته متابعًا نهمًا للحراك في تلك الكراسي، وليس خافيًا أن حصافة الرجل جعلته يرسم منهجًا فريدًا لترسيخ تقاليد العمل في الصحافة الورقية حين أنجزت «الجزيرة» عددًا من المؤلفات عن بعض النماذج المضيئة من رموز بلادنا السياسية والثقافية، وكان خالد المالك في خطواته تلك يعلن للعالم أنه يسقي في «الجزيرة» غراس وجود باذخ للفكر الصحفي المعتدل الجدير بالاحتذاء حيث معه وله بدت صفحات «الجزيرة» مجلوة تُعانق في كل محفل توقها الأبدي للتفرد والتميز فكان «المالك» ماهرًا في استجلاء المعدن النفيس.
واستطاعت «الجزيرة» مع خالد المالك أن تفتح بوابات المعرفة على مصراعيها وفي أوج ألقها عندما شكل من «الجزيرة» وأقلامها جامعة لصنع الخبر المتفرد، وطرح الرؤى الواعية وجزالة الطرح وسموق اللغة، وكان صوت «الجزيرة» وما زال من دعائم الوطن، ومنابر الدفاع عن توجهاته، وكان لرؤية وطننا العملاقة 2030 مسترادًا حفيًا وزادًا وفيرًا على صفحات «الجزيرة». وقد عكست «الجزيرة» نبض الوطن أمام العالم وبسطت منهجية التسامح مع الآخر، ورصدت صوره كمنطلق رئيس لمكونات المجتمع المثقف الواعي.
ويحدوني الأمل بعد تلك الندوة الزاخرة بأخلاق الصحافة ومبادئ الصحفي العليا، وبعد الاستعراض الشيق للدعم الوطني للصحافة وروادها ومرتاديها والاهتمام بها وبما يُرصد فيها من أخبار وأفكار من قبل ملكنا المثقف خادم الحرمين الشريفين سلمان بن عبدالعزيز عبر تاريخه الممتد حفظه الله التي امتلأت بها طروحات خالد المالك على مسرح أدبي الرياض، يحدوني الأمل أن يكون في أدبي الرياض مشروع وطني ثقافي تستكتب له الأقلام ويُستقطبْ له المتحدثون من ذوي العلاقة بالشأن الصحفي المباشر كما هو خالد المالك لصياغة موسوعة ثقافية وطنية توثيقية عن ملكنا سلمان والصحافة عبر تاريخها يضاءُ بالمواقف والصور والمحفزات والطروحات ليكون ذلك مسترادًا ثقافيًا للأجيال الحاضرة والقادمة؛ وإرثًا وطنيًا فاخرًا يُضاف لتاريخ بلادنا الثقافي.
الخاتمة..
فلسفة العمل الصُحفي كما رآه عبدالله بن خميس رحمه الله..
«صدقوا ومأثور الهُداة هِباتُها
قالوا صحافة أمة مِرآتها
فيها تكونُ عيوبها مجلوة
وتكونُ في طياتها حسناتُها»