حمّاد السالمي
* وداع مرّ حقيقة، وفراق في غاية الحزن. هذا هو الأديب الأريب الصديق الإنسان: (عبد الله بن ماضي الربيعان)؛ يغادرنا في هدوء وسكون وتواضع، تاركًا لنا ذكريات جميلة معه في الطائف الذي عاش وعمل فيه لأكثر من أربعة عقود. لك الرحمة والغفران يا أصدق الأصدقاء، وأوفى الأوفياء.
* عرفته في منتصف التسعينيات من القرن الهجري الفارط، عندما التحق بالعمل في إمارة الطائف آنذاك مع أمير الطائف: (ناصر بن صالح بن معمرّ) رحمه الله. ثم عمل مع الأستاذ: (محمد بن علي بن حريب)- رحمه الله- أمير الطائف المكلف من عام 1398هـ حتى العام 1401هـ. وعمل مديرًا للمكتب الخاص مع الأستاذ: (صالح بن عبد العزيز السالم) أمير الطائف حتى العام 1406هـ، ثم عمل مع الأستاذ (فهد بن عبد العزيز بن معمّر) أمير الطائف ثم محافظها بعد أن أصبح وكيلا للمحافظة حتى تقاعده.
* قليل من الناس الذي يعرف ولو النزر اليسير من سيرة ومسيرة أبي محمد (عبد الله الماضي الربيعان)، فهو شديد التواضع، قليل الكلام عن نفسه. فقط (قناة الدرر الأدبية)؛ أوردت قليل القليل مما يتعلق بحياته الأولى فهو: ( عبدالله بن ماضي بن عبدالله الربيعان العريني السبيعي. كان جده ماضي الربيعان؛ قدم البكيرية من بلدة الشيحية الواقعة من شماليها. ولد أبو محمد في البكيرية عام 1359هـ. وكان قد تعلم في مدرسة الشيخ محمد بن عبدالوهاب التي كانت تسمى بالمدرسة العزيزية، ثم في معهد المعلمين، وبعدها عمل في التدريس، فدرّس في الشيحية، ثم في مدرسة سعود الكبير بالبكيرية، ثم تابع تعليمه في التكميلي، فانتقل الى التدريس بمكة المكرمة، ثم انتقل الى محافظة الطائف للعمل في إمارتها فمحافظتها).
* من عرف أبا محمد رحمه الله؛ كان لا بد أن يحبه ويحترمه، لأنه إنسان، كثير الإحسان، نظيف اللسان، فصيح البيان. عاش عافًّا كافًّا، وكان قمة في تعامله مع الناس، يستقبل المراجعين في داره بحي السداد ليل نهار؛ مثلما يستقبلهم في مكتبه، ويحل الكثير من القضايا؛ دون تشهير أو تصعيد أو إضرار بأحد. تكفيه جهوده العظيمة في إصلاح ذات البين، وتمتين العلاقة بين المحافظة والمجتمع. هذا أمر وقفت عليه بنفسي وأعرفه عن قرب. صاحب خلق وأدب جم، إلى جانب ثقافته وأدبه وقربه من الأدباء والمثقفين، ومجالسته لهم بشكل يومي. كان محبًا للكُتّاب وما يكتبون، فكثيرًا ما يجلس بين الكتب، ويقتني كل جديد منها، وكانت بداره مكتبة كبيرة ومتحف خاص.
* لم يكن عبد الله الماضي- رحمه الله- من المسئولين الذين ينزوون ويعزلون أنفسهم عن مجتمعهم بعد انقضاء وقت العمل. بل كان طيلة حياته العملية في لقاءات ومجالس يومية، وخاصة مع الأدباء والمثقفين الذي كان مجلسه عامرًا بهم. ومنهم على سبيل المثال: الأساتذة الأعلام من الأدباء: (محمد أنور عسيري، ويوسف عز الدين من العراق، وإبراهيم الحضراني وأحمد الشامي من اليمن، ومحمد الطيب يوسف، ومحمد بن عبد الرحيم الصديقي، والشيخ العلامة الفلكي عبد الله بن إبراهيم الأنصاري من قطر- رحمهم الله جميعًا. وكذلك الشاعر محمد الريح من السودان، والأديب عبد الرحمن بن معمّر، والشاعر عبد الله العبادي). وغيرهم كثير.
* كان رحمه الله يشير ويستشير، ويبحث عن حلول لبعض المعضلات الإدارية. أذكر قبل مغادرته العمل بعام أو عامين؛ أن مسئولين في المحافظة؛ أخذوا يتكلمون على كثرة وتعدد الشكاوى الكيدية، ومن ثم إشغال المسئولين في المحافظة والدوائر الرسمية الأخرى، مع وجود أوامر سابقة تضبط ذلك، ولكن.. ما أكثر المستغلين من ضعاف النفوس في الطائف وفي غيرها من المناطق والمحافظات. عندما جلست إليه رحمه الله في مكتبه ذات يوم؛ فاتحني في هذا الموضوع طالبًا رأيي فقلت: إن بعض الناس لا شغل له إلا إلحاق الضرر بجيرانه وأقاربه والشغب عليهم بين وقت وآخر، وهناك أسماء دائمة الظهور في مشهد الأذى هذا يعرفهم الكل، وأقترح إعداد مسودة إقرار يوقعها كل متقدم بشكوى تدعي إحداثات أو تعديات، وما شابه ذلك مما اصطلح على اسمه واستغل كيدًا للكيد بالآخرين، وأن تتضمن المسودة عدة أسئلة لصاحب الشكوى ليوقع عليها من مثل: ما صفته في الشكوى..؟ هل هو صاحب الحيازة محل الشكوى..؟ أو هو جار ومتضرر مما يجري..؟ أو هو شيخ القبيلة، أو موكل من شيخ القبيلة..؟ أو مكلف من قبل الدولة..؟ وبالطبع الإجابات كلها إلا ما ندر تكون بالنفي..! وفي هذه الحالة؛ يصرف النظر عن شكواه، ويُكفّ أذاه، ويؤخذ عليه التعهد بعدم العودة للشكوى والتدخل فيما لا يعنيه. وجدته رحمه الله؛ استحسن الفكرة، فهش وبش لها، ولا أدري بعد ذلك ما فعل الله بها.
* ماذا أقول؛ وأنا أرثي أخًا عزيزًا، وصديقًا من أوفى الأصدقاء، ونبيلا من أنبل النبلاء، وشهمًا كريمًا، يتربع على قلوب محبيه- وما أكثرهم- وهم يبكونه في وداعه مرددين قول الشاعر العربي:
فبات فينا، وأمسى تحت هـاديةٍ
يا بعدَ يومك من مَمْسى وإصباح
لا يصحب الغيّ إلا حيث فارقه
إلى الرشاد ولا يصغي إلى اللاحي