«الجزيرة» - محمد المرزوقي / عدسة - فتحي كالي، التهامي عبدالرحيم:
بدأت المداخلات، لندوة «تجربتي للشباب»، التي قدمها سعادة رئيس التحرير خالد المالك، بأدبي الرياض، بمداخلة للدكتورة هيا السمهري، التي اعتبرت الندوة فوق خيال التصور المتوقع لها، موجهة سؤالاً من خلال مداخلتها، عن المرحلة الأكثر تحديًا في مسيرة المالك، متسائلة من جانب آخر عن مصطلح «إمبراطوريات الصحافة»، وما تبقى لها من هذا المصطلح؛ حيث علَّق المالك على سؤالها قائلاً: لكل مرحلة تحدياتها، ولها ظروفها، إلا أن مرحلة (الشباب)، كانت في تصوري ذات مساحة أكبر في التعامل مع المهنة الصحفية، دون تردد أو تهيب من الطرح أو النشر، إذ كنت أنشر ما لا يجيزه غيري من زملاء المهنة في الصحف الأخرى للنشر، إذ كان خلال تلك الفترة من يتصور أن لـ»الجزيرة» علاقتها الخاصة مع المسؤولين ما يجعلها تنشر ما لا يمكن لصحيفة أخرى نشره، إلا أنني اليوم أؤكد أن ذلك غير صحيح، لكنه حماس مرحلة الشباب للمهنة، إلا أن المرحلة التي صقلت تجربتي، هي مرحلة التحرير والكتابة في (القسم الرياضي)، إذ غلب عليها التخلص من كثير من القيود التي تواجهها الكتابة في الشأن الاجتماعي وقضاياه -مثلاً- ومع ذلك كانت مرحلة لم تخل من العديد من مشكلات جرأة ما كنت أكتبه.
وعن مصطلح (إمبراطوريات الصحافة)، عقب رئيس هيئة الصحفيين السعوديين قائلاً: عندما نربط هذا المصطلح بالوصول إلى المعلومة، أو الحصول على المعرفة، فسنجد أنه طال هذا المصطلح الكثير من التغيرات والتحولات، في علم يشهد تدفق المعلومة وانتشار منصاتها، وإن كانت الصحافة ذات السبق بين وسائل الإعلام، وكونها الوسيلة التي كانت متفردة في تقديم الزاد المتنوع للقارئ، فقد استطاعت في مرحلة مضت أن تكون كذلك، وخلاصة القول إن ما طال «إمبراطوريات المؤسسات الصحفية»، هو ما طال الإذاعة، ثم ما يطال التلفزيون، أمام ما نشهده من تحولات، وثورة رقمية، فما زلت أتذكر عندما كنا نبحث في بعض الأيام عن خبر واحد فلا نجده، أما اليوم فالأخبار الجديدة تطرق أبواب وسائلنا على مدار الساعة.
وفي مداخلة، لطفلة النفيعي، قالت فيها: نشكر أدبي الرياض الذي جمعنا بندوة مع علم من أعلام الصحافة السعودية والخليجية، ورئيس لاتحادها الصحفي، وعراب من عرابي صحافة المؤسسات، وفي ظل كثرة المنصات الأخبارية، وتراجع توزيع بيع الصحف، وتخفيضها لصفحاتها، وما وجهه خالد الملك من مقالات تصف هذا الحال لولاة الأمر، وسؤالي: هل يمكن أن نقول إن صحيفة الجزيرة، كانت الصحيفة المفضلة لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز -حفظه الله؟ حيث علق المالك قائلاً: لا غرابة إن بدا كل هذا التعاطف مني مع الوسائل الساحرة، (الصحف الورقية)، ومؤسساتها، التي ما تزال تشهد منافسة شديدة جدًا، في انحسار سوق الإعلان، وجفت مصادره، إلا أنني أقول إن المفترض ألا تفرط الدولة في أي وسيلة من الوسائل التقليدية، وفي مقدمتها المؤسسات الصحفية، فهي صوت المنجز، وعمق الكلمة التي ترصد حياة الوطن، وسيفه الذي يدافع عنه، ومع أن لدينا اجتماعات متواصلة لمعالجة الصعوبات التي توجهها المؤسسات الصحفية، حتى لا تتعرض لهز مالية تعرضها للتوقف.
وفي إجابة رئيس التحرير على السؤال الآخر من المداخلة قال: الملك سلمان -حفظه الله-، كان يقرأ وبدقة ما تنشره كل الصحف السعودية في جميع طبعاتها، ويتصل برؤساء تحريرها، مشيدًا، أو موجهًا تجاه موضوع ما، بل كان يقرأ جميع طبعات الصحف، وكذا الحال مع التلفزيون السعودي، كان يوجه دون غضب أو اتخاذ عقوبة، حتى عندما كان من بين الوزراء من طلب إيقاف نقد هذه الصحيفة أو تلك تجاه قضية ما، فكان يوجههم بالرد على الرأي بالرأي؛ معقبًا على مداخلة أخرى لعبد الحميد السلمان، الذي سأل عن الـ(6) الذين أصدروا صحيفة الجزيرة لسنوات، إلى جانب المالك، الذي قال: أتذكر منهم: عثمان العمير مسؤول الصفحة الرياضية، والمصححين: عبدالهادي طيب، محمد العوين، ومحمد الخنيفر محرر فني ومنوعات، وخطاطين، أحدهما سوداني وآخر يماني.
وفي مداخلة للجوهرة الدوسري، سألت خلالها: فيما ينشر من تجاوز في صفحات الرأي، هل تقع العقوبة على المشرف، أو يتم إيقاف الصفحة؟ وهل «الجزيرة» بحاجة إلى مزيد من الكتاب؟ حيث جاء في رد المالك: المسألة مرتبطة بنوع المخالفة، وقد كانت المخالفات تحال إلى المحاكم الشرعية، التي تنظر في المخالفة، وكانت تصدر أحكامًا قاسية، إلا أن الملك عبدالله -رحمه الله-، رفع هذه المهمة من المحاكم إلى تشكيل لجنة في وزارة الإعلام، للنظر في مثل هذه المخالفات، إلا أن رئيس التحرير، والمؤسسة الصحفية رقمان ثابتان تطالهما العقوبة، إلى جانب الصحفي المسؤول المباشر عن النشر، إلا أن العقوبات بعد ذلك أصبحت عقوبات مالية، إلى جانب الاعتذار في الصحفية، نظرًا لأن طبيعة المخالفات غالبًا محدودة، وليست بذات قيمة كبرى.. معقبًا على تراجع التوزيع والحاجة إلى الكتاب قائلاً: لا يمكن الانتشار وكثرة نسخ الطباعة أن تحقق ربحية للصحف، فالطباعة ليست مربحة، والهدف منها إقناع المعلن، والقارئ بالاشتراك، معقبًا على حاجة «الجزيرة» إلى الكتّاب، بأنه تم الاعتذار ، وإبلاغ (30) كاتبًا وكاتبة، أن صحيفة «الجزيرة»، ستحفظ لهم أماكنهم في الكتابة، متى ما رغبوا في الكتابة دون مقابل، فيما تم إبلاغ (20) كاتبًا وكاتبة آخرين، بأنه سيتم تخفيض مكافآتهم، حيث وافق الجميع على مقترح الصحيفة، إيمانًا منهم بهذه التحولات، وتقديرًا لصحيفتهم، ووفاء منهم لها؛ مؤكداً رئيس هيئة الصحفيين السعوديين، في تعقيبه على هذا السياق، أن هذا هو الحال في جميع الصحف السعودية.
وفي مداخلة للزميلة الكاتبة في صحيفة الجزيرة الدكتورة فوزية البكر، تساءلت خلالها عن دعم «الجزيرة» للأقلام النسائية، حيث علَّق المالك على تساؤلها، قائلاً: انضمت البكر إلينا منذ وقت مبكر من عمرها، ولسنوات وما زالت أحد الأسماء التي تجسد الاهتمام بالأقلام النسائية، فلعقود كانت الأقلام النسائية لا تقل مشاركة وحضورًا، في مختلف صفحاتها، ومن خلال ما تقدمه من ندوات (تحت قبة الجزيرة)، ظلت فيها المرأة أول الحاضرين والمساهمين بما لديها من فكر، فلقد دأبت الجزيرة على دعم قلم المرأة، وما تزال.. فيما قالت حصة المقرن، في مداخلتها: ليس لديَّ سوى أن أشيد بهذه الندوة، فهي ندوة فخر واعتزاز بهذه الأمسية، لمسيرة عطرة، لفارس صحيفة الجزيرة، ولعلم من أعلام الإعلام السعودي، والعربي، الأستاذ خالد المالك، فبارك الله في عمره وعمله.
وفي مداخلة للزميل الدكتور جاسر الحربش، الكاتب في صحيفة الجزيرة، جاء فيها: مع ما تمر به المؤسسات الصحفية من ضمور ورقي، إلا أن المؤسسات العريقة يجب أن تدعم، لتبقى، وهذا ما نجده مثلاً في المؤسسات الصحفية العريقة في ألمانيا والصين وإيطاليا وبريطانيا، وفي مختلف الدول الأوروبية، والأمثلة على هذا كثيرة، ومنها الواشنطون بوست، ونيويورك تايمز، وغيرهما، ما يوجب دعمها، فالمؤسسات الصحفية، جزء أصيل من الإرث الحضاري للشعب، والقراء، قبل أن تكون إرثًا من إرث الدولة الحضاري، لذلك يتوجب على الدولة أن تحتفظ بالمؤسسات الصحفية، لكونها امتداد حضاري وإعلامي لها، وذلك من خلال توجيه مطبوعاتها إلى أن تطبع في مطابع الصحف، كأحد حلول الدعم لها، موجهًا الحربش سؤاله: هل يمكن مطالبة المؤسسات الصحفية من قرائها بحريات أكبر، أمام الحريات (العشوائية) التي نشاهدها في الصحف الإلكترونية.
وفي رد المالك على مداخلة الحربش، قال: حل أزمة الصحف السعودية، لا يتوقف عند دعم الدولة لها، بل لا بد من مساهمة القطاع الخاص، كما أن النظرة المجردة إلى أن المؤسسات الصحفية قطاع خاص، هدم لمسيرة الصحف السعودية، ومما قدمته خلال (50) عامًا، ما تزال مع كل ما تواجهه من تحديات، مصدر موثوقية، وذات قيمة كبيرة لما تقدمه من أقلام الرأي، وما تحتضنه من كتّاب، لذلك أؤكد أن الرسالة الصحيحة التي نؤمل نقلها إلى ولاة أمرنا من خلال وزارة الإعلام، لما تصل بالشكل الصحيح، وإن انحسرت الصحافة الورقية، إلا أنها ما تزال رائجة في العديد من الدول الأوروبية؛ واصفًا المالك حريات الصحف الإلكترونية، بأنها ليست حرية بقدر ما هي شكل من أشكال «غياب المحاسبة» وخاصة إذا ما عرفنا أن من ذلك المحتوى، مصنوع بأيد خارجية، كما أن المؤسسات الصحفية استثمرت التقنية في جوانبها الإلكترونية، ولدى مؤسسة الجزيرة العديد من الإصدارات (الإلكترونية)، لكنها تظل عبئًا على المؤسسة لكونها غير مربحة!
وفي تساؤلات لمقدم الأمسية عبد الرحمن السعد، التي قال فيها: سمعنا من ينادي بإلغاء وإغلاق وزارة الإعلام، فلماذا ينادي خالد المالك بإغلاق أقسام الصحافة؟! وماذا عن نشر «الجزيرة» لقصيدة غازي القصيبي، هل كانت من قبيل عدم التفكير في العواقب أم من قبيل الجرأة في النشر؟ علق رئيس هيئة الصحفيين السعوديين قائلاً: تعيش المؤسسات الصحفية رحلة صعبة، فهي اليوم لا تستطيع استقطاب كتَّاب جدد بمقابل مادي، ولو بدون مقابل، لنقلص أعداد صفحاتها، كما أنها لا تستطيع استقطاب المزيد من الكفاءات الصحفية الفنية والتحريرية، فمن سيستقبل خريجي أقسام الصحافة إذن، لهذا سنجدهم يعملون في غير تخصصهم، معقبًا المالك على حكاية نشر قصيدة القصيبي قائلاً: كان - رحمه الله - يخص «الجزيرة» بنشر قصائده، التي ما يزال القراء يتذكرون منها: قصيدة (رسالة المتنبي إلى سيف الدولة)، وقصيدة (حديقة الغروب)، وغيرهما من القصائد التي كان يخصنا بنشرها، وكانت تصلنا بخط يده، وقد أصدرنا عنه مجلدًا ضخمًا بعنوان (الاستثناء)، الذي اعتبره القصيبي أفضل لديه من جائزة «نويل»، ونشر قصيدته لم يكن استعجالاً، فالقصيدة نشرت بعد أربعة أيام من وصولها لنا، وكنت قد أحلتها لراشد الحمدان، الذي كتب مقدمة لها، لم تعجبني بعض فقراتها، فعملت تعديلاً لها، إذ وجدت في القصيدة عتابًا وتعريضًا بالوشاية والواشين، الذين لا أعرف إلى اليوم من الذين كان قصدهم القصيبي، وإلى اليوم من يقرأها فلن يجد غير ما وجدت من مألوف الكلام، وخاصة في كتابة الشعر، إلا أن تبعاتها لم تكن بالحدة التي قد يتصورها البعض، لثلاثة أمور، أولها: لم أقل من رئاسة التحرير مباشرة، الثاني: طلب مني الاستقالة بعد شهر ونصف الشهر من نشرها، أما ثالثها، فهي عودتي إلى «الجزيرة»، ولو كان ذلك بعد خمسة عشر عامًا، كنت أقوم خلالها بالعديد من الأعمال التي اشتغلت بها، ورغم انشغالي بها إلا أن الصحافة ظلت الهاجس الذي يشغل وجداني.
وفي رد المالك على تساؤل السعد، حول ماهية الدعم الذي تنشده المؤسسات الصحفية من الدولة؟ وما الذي ستكون عليه فيما لو تم دعمها؛ قال رئيس هيئة اتحاد الصحافة الخليجية: هناك دعم (مباشر)، يتمثل في الدعم المالي، وهناك دعم (غير مباشر)، يشمل أمورًا عدة، منها: إعادة توجيه الإعلانات الحكومية، والشركات والبنوك إلى الصحف، إضافة إلى ذلك فالخطوط السعودية تريد رسومًا مقابل نقلها للصحف، وكان من المفترض أن تتم مقايضة النقل بينها وبين الصحف، من خلال الإعلان، إلى جانب ذلك تواجه الصحافة الورقية ارتفاع الأسعار في مختلف خطوط إنتاجها، وفي مقدمة ذلك أسعار الورق، أسعار الأحبار، إضافة إلى ما تتحمله من مصاريف وضرائب العمالة الأجنبية؛ معقبًا المالك على مداخلة في السياق نفسه لحمد الصالح، وأخرى لحمد العجلان؛ عن الحل الذي يمكن به إنقاذ مستقبل (المؤسسات الصحفية) أمام كل هذه التحديات، بقوله: لا يستطيع أحد، ولا أي جهة تقديم الحل غير الدولة.
أما آخر المداخلات، فقد كانت لرئيس مجلس إدارة النادي الأدبي، الدكتور صالح المحمود، الذي حيا ضيف الندوة، مشيدًا بتألق تجربته في سماء الوطن، وريادته في مضمار الكلمة الصحفية، مثمنًا له تلبية الدعوة للنادي، قائلاً: كانت الصحف السعودية في الثمانينيات، تتبارى في ملاحقها الأسبوعية الثقافية، بعد أن شاع أن الثقافة لا تؤكل عيشًا، لأهلها، ولا لأقسامها الثقافية، لتموت بعد ذلك ملاحقنا الثقافية، التي لم نعد نشاهد خلفًا لها، إلا صفحة أو نصف صفحة، إذا لم يحجبها إعلان، لنجد خلال سنوات «الغياب» لم يبق إلا «الجزيرة» التي ما تزال تصدر ملحقًا ثقافيًا، ملونًا، شاملاً، رصينا، من أوله إلى آخره، ليس فيه إعلان، ملحق يخدم مشهدنا الثقافي، إلى جانب العربي، ما جعل الجميع في تسابق للكتابة فيه، مكرسًا ملحقًا يظل يجسد لنا الزمن (الذهبي)، للملاحق الثقافية.
حيث عقب المالك قائلاً: الفضل بعد الله يعود للزميل الدكتور إبراهيم التركي، مدير تحرير الشؤون الثقافية، ولن نمكن ما نشهده من تحولات، أن تهزمنا، بإيقاف نشر المجلة الثقافية، التي ما تزال تصدر في (8) صفحات، وأخرى إلكترونية، وستظل بكتابها من مختلف أطياف الثقافة، فلا انحياز للجديد، ولا إغفال للقديم، وحافلة بالأسماء الكبيرة من مفكرين ومبدعين وأدباء.. مختتمًا حديثه بشكره للنادي ولحضور الندوة، التي جاء ختامها بتكريم رئيس النادي الدكتور صالح المحمود، والمشرف على المنتدى عبد الرحمن الجاسر، بتقديم درع النادي التذكاري لفارس الندوة.