د. محمد بن يحيى الفال
احتضنت مدينة الدار البيضاء العاصمة الاقتصادية والواجهة الدولية للمملكة المغربية الشقيقة فعاليات الدورة الخامسة والعشرين لمعرضها للكتاب الذي استمر لمدة عشرة أيام من الفترة الواقعة بين السابع والسابع عشر من شهر فبراير 2019. المعرض كان تظاهرة ثقافية كبرى وحظي بتغطية إعلامية مُميزة من وسائل الإعلام المغربية وتم حصر أكثر من نصف مليون زائر للمعرض الذي كانت مملكة إسبانيا ضيفة شرفه لهذه الدورة. المملكة وكما هو ديدنها في مشاركة أشقائها العرب والمسلمين في جُل مناسباتهم الثقافية والفكرية كانت حاضرة بجناح في فعاليات هذه الدورة وكما هو الحال في دورات المعرض السابقة، ومع قول ذلك ومن باب النقد الموضوعي الهادف إلى جعل مشاركة المملكة في مثل هذه الفعاليات الثقافية توضح المستوي الثقافي المُميز والمتقدم الذي وصلت إليه المملكة ولما تمثله من ثُقل عربي وإسلامي ودولي بكونها أحد دول العالم الرئيسة التي تهدف بلا كلل أو ملل في خدمة الأمن والسلام الدوليين لما فيه مصلحة الإنسانية جمعاء، وعليه فهناك عدد من الملاحظات التي تم رصدها من خلال جناح المملكة في معرض الدار البيضاء للكتاب، ولعل أو هذه الملاحظات نراها واضحة جلية في المشاركة المعنونه بوزارة الثقافة والإعلام، وهو الأمر الذي يربك المتجول في المعرض ويجعله متسائلاً عن الجهة المشاركة وإذا ما كانت هذه الجهة تمثل قطاع الثقافة أو قطاع الإعلام في المملكة!؟، وذلك من خلال الوضع في عين الاعتبار بأن هناك أمراً ملكياً سامياً صدر قبل عدة أشهر بفصل الثقافة عن الإعلام وإنشاء وزارة مختصة بالشأن الثقافي. وملاحظة مشاركة وزارة الثقافة والإعلام ليست وحدها الإشكالية كذلك فإن ما تم عرضه لهذه المشاركة من كتب وإصدارات لم يكن يتجاوز أصابع اليد الواحدة من إصدارات، يبدو أنه تم اختيارها على عجلة من الأمر الذي يتضح ذلك سواء من تواريخ إصدراها القديمة أو موضوعاتها. والحديث عما تم عرضه في جناح المملكة من كتب وإصدارات هو حديث ذو شجون كون جُل المشاركة في المعرض كانت تتعلق بإصدارات الجامعات والنوادي الأدبية السعودية التي جاءت هي الأخرى متواضعة وبإصدارات قديمة وغير منسقة بطريقة توضح لزوار الجناح الحقائق عن النهضة التعليمية والأدبية التي تعيشها المملكة. المشاركة المرئية بجناح المملكة بمعرض الدار البيضاء للكتاب لم تكن بأفضل حال من مشاركة الإصدارات والكتب، فلقد كانت هناك ثلاث شاشت تلفزيونية بعناوين رئيسة تم تبويبها بمواضيع تحت كل شاشة عرض وذلك عن تاريخ المملكة، ومشاريع توسعة الحرمين الشريفين بمكة المكرمة والمدينة المنورة وعن رؤية المملكة 2030، وهذه جميعها اختيارات مهمة وأساسية، بيد أن كل الشاشات الثلاث كانت متوقفة عن العمل ولم تبث شيئًا من المواضيع التي تم ذكرها.
لعل ما عوض المشاركة الضعيفة والمتواضعة في جناح المملكة في فعاليات معرض الدار البيضاء للكتاب هو مشاركة دور النشر السعودية الخاصة التي بدأ جلياً من الكم الهائل من زوار المعرض الذين تقاطروا عليها، وبشراء الكثير من إصداراتها المعروضة التي لاقت الكثير من الاهتمام وهو الأمر الذي يوضح الدور الهام الذي تقوم به دور النشر السعودية الخاصة في زيادة الناتج المعرفي أو الرقمي وهو من الأهداف الرئيسة التي تسعي رؤية 2030 لتحقيقها في الجانب الثقافي والمعرفي المكتوب والرقمي في المملكة. ولعل التعويض ذو الأثر الأكبر والممتد من تواضع المعروض في جناح المملكة بمعرض الدار البيضاء للكتاب نراه في الدور الذي تقوم به مؤسسة الملك عبدالعزيز آل سعود للدراسات الإسلامية والعلوم الإنسانية التي أسسها الملك عبدالله بن عبدالعزيز -رحمه الله-، في الدار البيضاء وذلك قبل أربع وثلاثين سنة والتي أضحت معلماً علمياً وثقافياً من معالم مدينة الدار البيضاء، وهي المؤسسة العلمية المتميزة التي يؤمها مئات الطلبة والطلبات بشكل يومي ويوئم جامعها الكبير مئات المصلين الذين يزدحم بها جامعها خصوصاً في يوم الجمعة، والذي يشتهر لدى الإخوة الأشقاء المغاربة بمسمى «الجامع السعودي»، وتعتبر هذه المؤسسة الثقافية القيمة وكذلك جامعة الأخوين الواقعة عند سفوح جبال الأطلس بمدينة إفران إسهامات ثقافية راسخة قدمتها المملكة لشقيقتها المغرب لتضحي شاهداً على متانة العلاقات المميزة والوطيدة والراسخة التي تجمع بين كل من المملكة العربية السعودية والمملكة المغربية التي تزداد متانة ورسوخاً برعاية ودعم سخى ومتواصل من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود وولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود.