لطالما يستصرخ الكاتب سنين الكتابة بحثاً عن قارئ حاذق، يُقدّر ما يُكتب، يمر على كلماته فيتلمس حروفها يحس ما بها.
يقرأ هذا القارئ المفردة فيقول الكاتب في سره: نعم يا قارئي، هنا ورطة هنا لغم أرجوك ابحث عنه!
فينتقل هذا القارئ إلى كلمة أخرى ليهتف الكاتب بمنتهى حبره: هنا أشعلت وأطفأت حرائق خذ حذرك لا تمر بدون تَنَبه!
يمر على كلمة أخرى من كلماته كلها حدائق فيبتسم الكاتب لانتشاء القارئ من هبات النسيم
يقفز هذا القارئ إلى جملة أخرى فيهتز وجيب قلب الكاتب، لهفة وشوقاً يراه يقف أمام جملة لفها الغموض، فيأمل الكاتب عن كثب
أن يُعِمل القارئ فكره، أن يغوص في بحور المعنى وأن يجمع إلهامات حواسه من أجل البحث عن مكنونات النص والآفاق المحيطة به.
قارئ مثل هذا بإمكانه إحداث التغيّر المنشود في كل جزئيات الكاتب وعمل ثورة فكرية لديه.
قارئ بحدس عبقري يستلهم وطن بأكمله من كُتلة مفردات، يخِلقُ للحروف أجنحة وآفاق تغزو عالم الخيال والواقع.
يتغذى على الجُمل المرصوفة بدقة، ويرى روحه بين أفيائها، يستظل بمعينها ويرحل بين أسفارها ويشتم عبق أريجها الأخاذ ويتعلم من خلال مشاعرها المكتوبة بلغة صافية.
قارئ يساعد على تحسين الواقع وعلى معرفة ماهية العالم من خلال الكلمات هو طموح كل كاتب يطمح أن تتربع كلماته في قلبكل القرّاء.
قارئ يحتاجه الكاتب على دعم مسيرة الأدب وعلى تقبل ثقل الحقائق أينا كان نوعها..
علاقة تدعمية لكل منهما تجعل من العملية الكتابية عملاً رائعًا مثمراً..
فالكاتب الذي يستطيع تحويل نكباته إلى شيء نفيس تهواه قلوب القرّاء والقارئ الذي يستطيع امتصاص النص بطريقة لذيذة تهواه قلوب الكُتّاب..
عملية تبادلية و انصهار صحي للذهن يؤكد استمرارية هذا التواصل الفذ الذي يعمل على تعمق الروح في حياتنا المعنوية.
** **
- رباب محمد