في معجم المعاني: القومية -هي صلة اجتماعية عاطفية تنشأ من الاشتراك في الوطن واللغة ووحدة التاريخ والأهداف.
إذن هي صلة عاطفية؛ فهل من الجائز استخدام مقولة الأيديولوجية القومية؟ وهل الاشتراك في الوطن واللغة ووحدة المصير والأهداف؛ تخص «قومية واحدة» مستقلة عن باقي «القوميات» القاطنة في الوطن ذاته؟
الأيديولوجية حسب قاموس المعاني: - هي مجموع الأفكار والمعتقدات؛ خاصة بعصر ما أو مجتمع أو طبقة اجتماعية. وبهذا التعريف تكون القومية خارج نطاق الأيديولوجية!
من المقولات الشائعة في الإعلام المحلي والعالمي: - عصر الأيديولوجيات قد انتهى. فهل المقصود أن الأفكار والمعتقدات قد انتهت؟ ... بالطبع لا؛ فالأفكار والمعتقدات موجودة في كل العصور والمجتمعات، ولكن المقصود هو مجموعة الأفكار والمعتقدات «المغلقة» قد انتهت. فالأيديولوجية حسب المفهوم الفلسفي هي: - منظومة المقولات التي تفسر الظواهر وتعطي حلولاً للمعضلات الاجتماعية في كل زمان ومكان. وقد كان الفيلسوف الألماني «هيغل» آخر من وضع «منظومة فكرية مغلقة»، لأن «ماركس» من بعده؛ وهو أحد تلامذته؛ قال: - ليس مهمة الفلسفة التفسير؛ بل التغيير، وحَوّلَ بذلك الفكر من «منظومة مغلقة» إلى «منهج مفتوح»، يبتدئ بالملاحظة ثم الفرضية ثم التجربة فالنظرية، في استمرار معرفي متصاعد. وبالرغم من «انتهاء» عصر الأيديولوجيات، إلا أن الأيديولوجيات لم تنته!. فما زال هناك من يسوقك سوقاً لإغلاق عقلك ومنعك من التفكير!
الأيديولوجية إذن لا تتناقض مع المنهج المعرفي العلمي وحسب، بل يوجد صراع حاد يصل حد العنف، بين من يريد شل تفكيرك وسجنه داخل وعاء حديدي محكم الإغلاق اسمه «أيديولوجية»، وبين من يريد إطلاق العنان لتفكيرك «الممنهج» لتكتشف وتفعِّل العوامل الحاسمة في التغيير! وقد كان هذا الصراع على أشده في كل العصور والقوميات والمجتمعات والأمم والأديان... إلخ. ولا يجوز بأي حال من الأحوال نسبة «الفكر»، سواءً كان على شكل «أيديولوجية مغلقة» أو «منهج معرفي مفتوح» إلى هذه القومية أو تلك، أو هذا المجتمع أو ذاك. أما في عصرنا الحالي فقد اكتسب الصراع الفكري مشهداً جديداً، حيث أصبح من وجد الطريق وأطلق العنان لتفكيره على أساس «المنهج المعرفي»، سيتهمه الظالم ومن يصفق له بالشذوذ الفكري أو «الراديكالية» أو الجنون أو «الكفر» في نهاية المطاف. أما بعض من يدعي أنه مع المظلوم، فسيتهمه بالانتهازية أو «الشطحات» الفكرية أو الخيانة، لأن «التخلف» والجمود الفكري ضمن «أيديولوجية» هو سيد الموقف.
** **
- د. عادل العلي