الثقافية - محمد المرزوقي:
يعيش المثقفون والمثقفات في المملكة العربية السعودية هذه الأيام بمختلف مساراتهم الثقافية، وفنونهم الإبداعية والأدبية، وفنونهم البصرية.. حالة من الترقب لإعلان معالي وزير الثقافة الأمير بدر بن عبد الله بن فرحان آل سعود «الاستراتيجية الثقافية» للمملكة، التي يرى فيها المثقفون والمثقفات (النقلة) المرحلية في مسيرة الثقافة السعودية في مختلف مجالاتها، وعبر مؤسساتها، على المستويات المحلية والخارجية؛ هو ما جعل من الطموحات متدفقة، ممتدة التطلعات في فضاءات «رؤية 2030».
* تجربتي مع الوزارة!
الكاتب والمترجم خلف بن سرحان القرشي استهل حديثه عن الاستراتيجية الثقافية قائلاً: كثيرة هي الآمال المعقودة على وزارة الثقافة الجديدة، وعلى استراتيجيتها المنتظرة. وقد أحسنت الوزارة صنعًا عندما أشركت المثقفين في التخطيط والإعداد ورسم معالم استراتيجيتها من خلال الاجتماع بين حين وآخر بنماذج منهم، لها حضورها في مختلف الجوانب المتصلة بالفعل الثقافي، تنظيمًا وإنتاجًا وتعاطيًا، وشرفتُ بأن أكون واحدًا من هؤلاء؛ إذ طرحت وكتبت وأبرزت بعض آمال وطموحات وتحديات المترجمين السعوديين.
* الاستراتيجية والترجمة
وأضاف القرشي: أهم ما ذكرت في هذا الصدد ضرورة منح الترجمة عمومًا، والأدبية منها بوجه خاص في مشهدنا المحلي، الاهتمام الذي تستحقه من قِبل الوزارة، في ظل التحديات الثقافية التي جعلت منها ضرورة ملحة في ظل الانفتاح الإعلامي والثقافي، والمدِّ التواصلي بين مختلف الحضارات والطروحات الثقافية والفكرية والفنية والأدبية المتزامن والمواكب والناتج من وعن الانفجار المعرفي الذي يشهده عالمنا المعاصر الذي غدا نتيجة له كل العالم مجرد قرية كبيرة واسعة الأرجاء.
* رسالتي لـ»الثقافة»
وقال القرشي: أكدت للمسؤولين أن المترجم السعودي كان - وما زال - يعمل بشكل فردي، دونما أي نوع من الدعم والمساندة وتذليل العقبات! وأنه يأمل بقيام الوزارة بإنشاء مؤسسة أو مؤسسات فاعلة عدة، تُعنى بالترجمة، تذلل للمترجم السعودي العقبات التي تواجهه، وتسهل له تجاوز التحديات المختلفة التي تحول بينه وبين تقديم ما تتطلبه المرحلة من نتاج، وتفعّل الفعل الترجمي من محاضرات وندوات ونشر وتسويق وإعلام ونقد وخلافه، وتتبنى جوائز وحوافز للمترجمين حثًّا وتشجيعًا لهم نحو مزيد من العمل الدؤوب، وتحفيزًا لآخرين من شباب هذا البلد وفتياته المتخصصين في مجال الترجمة والقادرين على إنتاجها لردف المشهد المحلي والعالمي بنتاج متميز من الترجمات من وإلى اللغة العربية. مختتمًا القرشي حديثه قائلاً: تطرقت لمعاناة المترجم المحلي مع حقوق الطبع والنشر، عندما يشرع في ترجمة عمل من اللغات الأجنبية إلى لغته العربية؛ إذ يطلب منه أصحاب حقوق تلك الأعمال مبالغ مالية طائلة أحيانًا، يعجز عن توفيرها ودفعها بشكل شخصي، وتمنيت - وما زلت أتمنى - اهتمام الوزارة بهذا الجانب.
* مرتكزات التطوير
أما الشاعرة جوهرة يوسف فتحدثت عن آمالها عبر الاستراتيجية الثقافية قائلة: أملي في هذه الاستراتيجية الاستفادة القصوى من المبدعين والملهمين لإنتاج العلم والمعرفة والثقافة والأدب والفن، لحراك مشاعر وتطلعات المثقفين والمبدعين السعوديين الراكدة مع الروتين والبيروقراطية؛ وذلك لصناعة محتوى تعاوني، نطمح إليه منذ زمن. وأكثر ما يقلق المثقف هو مصير نتاجه الإبداعي، والطريق المتعب جدًّا الذي يجب أن يجتازه ليُصدر نتاجًا جديدًا، خاصة المؤلف الجديد.. فما زالت خطوات الوزارة بطيئة، ولا يمكنها أن تلامس بشفافية أزمة المنتج الحديث للمؤلف السعودي.
مقترحة في ختام حديثها عن الاستراتيجية المرتقبة بقولها: أقترح أن يكون هناك تفرُّغ إبداعي، تصدره الوزارة لانتقاء الإبداع؛ فهناك مجموعات تستحق أن تُجمع وتُدرس وتُبرز.. يجب أن يجد المثقف اهتمامًا يجعله يتفرغ من أعبائه ليكون أكثر إبداعًا.. وأقترح أن يكون هناك تكريم مزدوج بأن يكرَّم مثقف كبير، ويكرِّم المثقف الكبير مثقفًا صغيرًا، يكون من اختياره في المكان نفسه، فهناك خطوات مهمة ومرحلية، يجب أن تكون من أجل الإبداع.
* لنصنع ثقافتنا!
كما وصف القاص والمسرحي والباحث في التراث محمد ربيع التطلعات بأنها كثيرة، قائلاً: تطلعات المشتغلين على الثقافة لا تنتهي؛ إذ كلما تحقق أمر استدعت الآمال العراض أمرًا آخر؛ لهذا سأكتفي هنا بأمنية واحدة، أسأل الله أن يعين المشتغلين على الثقافة ووزارتهم الناشئة على التفاني في سبيل تحقيقها؛ فأنا أتطلع إلى اليوم الذي نضع فيه منتجاتنا الثقافية على مسار الدخل القومي، وحين يكون ذلك سيتحقق للوطن مصدر مختلف للدخل، يسهم في تنويع مصادر الدخل، ويوفر الإنفاق الحكومي على المنتج الثقافي، وسيضمن المشتغل على الثقافة دخلاً من عرق خياله الخاص، وستضمن ثقافة الأمة أصالة واستمرارية وحضورًا صادقًا على الساحات المحلية والعالمية، وسيتحقق للمواطن أوعية ومنصات معاينة بأسعار زهيدة، ولربما بمجانية مقصودة.
* اقتصاديات الثقافة!
ومضى ربيع في حديثه قائلاً: أتطلع إلى أن يصبح شعار «بزنسة» الثقافة جزءًا من استراتيجية وزارة الثقافة، وأظن ذلك كائنًا الآن، فإن لم يكن حتى الآن فإن الإرادة والتخطيط وبعض العصف الذهني كفيل بابتكار مشاريع متنوعة، تتحقق من خلالها تلك «البزنسة» شريطة ألا نعول على جيب المواطن بصورة مباشرة، ولو افترضنا أن ذلك الجيب هو واحد من مظان الدخل المحلية المتوقعة غير المباشرة. وعلى كل حال، فإن استثمار المنتج الثقافي استثمارًا اقتصاديًّا هو أمر طبيعي في كل امتدادات الحياة الإنسانية، القديم منها والحديث. والشواهد أكثر من أن نحصيها.
* الوزارة والثقافة!
كما وصف الشاعر والناقد سعد بن سعيد الرفاعي ما يؤمله المشهد الثقافي على الاستراتيجية المرتقبة قائلاً: لأن وجود وميلاد وزارة الثقافة كان نتاج الرؤية السعودية الطموحة 2030 فمن المنطقي أن يكون التطلع لاستراتيجية ثقافية متناغمة مع الرؤية وأهدافها، وهو الأمر الذي لن يأتي دون كد وإجلاء ذهن. كما أن بناء الاستراتيجية الثقافية يستوجب عملاً تخطيطيًّا فائقًا، يأخذ في الحسبان التناغم مع كل المؤسسات المعنية بالرؤية، وكذلك آليات وطرائق تفكير مبتكرة لإدارة العمل الثقافي بعيدًا عن النمطية المعتادة.. ولأن الرؤية - أي رؤية - عادة ما تتطلع نحو آفاق جديدة، وقيم جديدة، ومفاهيم نوعية مختلفة، والثقافة هي المعنية بفتح الآفاق، وبإرساء هذه التطلعات من خلال حزمة برامج مبتكرة مدروسة بعناية فائقة.
* المؤسسات والمرحلة!
وختم الرفاعي حديثه قائلاً: لعل من المهم أن يتم تقييم المؤسسات الثقافية القائمة وآليات تحولها بما يتواءم مع الرؤية، استحداثًا أو تعديلاً أو إلغاء واستبدالاً.. ولأن البرامج المبتكرة بحاجة إلى رؤى مختلفة فإن الاستعانة بمثقفين نوعيين عبر مجموعة ورش عمل، تمارس العصف الذهني الممنهج، تُعد مطلبًا لاستراتيجية وزارة تتوثب لتقود الفكر الجديد، وفق رؤية متوثبة تعتز بمكتسباتها، وتمد ذراعيها للعالم مرحبة، ومتقبلة للآخر؛ لتتلاقح الثقافات، وتتكامل الحضارات، محافظة مع ذلك على الهوية، معتزة بما تنفرد به من تميُّز وخصوصية. نريدها وزارة ثقافة لوطن متثاقف!