د. عبدالرحمن الشلاش
هذا السؤال البليد والمكرر إلى حد الملل لا يطرح على الكبار فقط وإنما حتى على الصغار في مدارسهم ومن معلميهم ومعلماتهم دون مراعاة لما يحدثه من آثار نفسية بليغة لدى من لم تسمح لهم ظروفهم بالسفر والتحرك من منازلهم إلا في حدود ضيقة جدًا.
كأن السفر هو الإجازة، أو الإجازة هي السفر، وليس أي سفر تقول سافرت داخليًّا تصنف مباشرة في زمرة المساكين أو المحرومين أو من الذين بخلوا بأموالهم ورضوا بالقعود خوفًا من صرف آلاف الريالات. لا بد أن يكون سفرك إلى خارج الحدود! لا أعلم من الذي ربط الإجازة بالسفر حتى ولو كانت ليوم واحد برغم أن المعلمين والطلاب وكذلك الموظفين يكونون بحاجة ماسة للراحة والاسترخاء وإنجاز بعض الأعمال المتراكمة، أو زيارة بعض المعالم والأسواق والحدائق داخل المدينة, أو الاستجابة لنفحة من نفحات صلة الأرحام!
قد يكون السفر مقبولا في الإجازات الطويلة، وخاصة لمن يملكون الكاش والوقت، لكن أن تتحول الإجازات القصيرة إلى فرص للسفر تتبارى خلالها الأسر في من يسافر إلى أبعد نقطة، ومن يقضي أطول وقت، ومن يصرف أكبر مبلغ، ومن يزور أكثر أماكن فهذه مشكلة اجتماعية تنتظر حلا اجتماعيًّا. إذا كان الأمر لا يمثل مشكلة لمن يملكون مقومات السفر في كل الأوقات فإن هناك فئات غير قادرة لكن تسحبها تيارات المباهاة والتفاخر «وحنا مو أقل من غيرنا» وهي العبارة التي ولد من رحمها «الهياط» الذي بتنا نتفرج عليه في مشاهد تدعو للحزن على الحال التي وصلنا إليها. مبالغات وإسراف من أجل أن يقال والله كفو فلان، وهذه أحد مظاهر قلة الوعي نتيجة الجهل أو السلوك المعوج، إراقة دهن العود بغزارة على الأيدي بدلا من الصابون، والسمن الصافي على الصحون ماذا نسميه؟ لا يقول لي أحد أن هذا من باب الكرم، فللكرم أبوابه وللإحسان طرقه، هذه سلوكيات مقززة وغير مستساغة! ربما لو صرف أحدهم هذه المبالغ في السفر فسيكون بكل تأكيد أرحم.
في إجازة نصف العام الحالية لا جديد. لو ذهبت للمطار ستجده مكتظًا بالمسافرين رغم أن الإجازة أسبوعٌ واحدٌ فقط، وعلى رأي أحد الظرفاء يقول «ما يمدي الواحد يحك رأسه» كناية على قصر المدة، وبرغم ذلك تحول السفر في كل الأوقات إلى تقليد لا بد منه دون نظر لما يسببه من آثار وبالذات في الجوانب الاقتصادية لكثير من العائلات، إذ يلجأ رب الأسرة مكرها للاستدانة كي يسافر بالعائلة المصونة والنتيجة في آخر الأمر ديون متراكمة!