محمد بن عيسى الكنعان
تُعَدُّ المملكة في طليعة دول العالم من حيث النمو السكاني، فمعدل النمو السنوي يصل إلى (2.52 %) تقريبًا، حيث يُقدر عدد سكان المملكة وفقاً لإحصاءات الهيئة العامة للإحصاء للعام 1438هـ (2017م) بأكثر من 32 مليونًا و500 ألف نسمة، ويشكل من تتراوح أعمارهم ما بين (15 - 65 عاماً) نسبة عالية تصل إلى (72 %) تقريبًا، ما يعني أننا أمام دولة شابة، وفتية، ومتنامية، وغنية بالموارد الطبيعية التي تأتي في أول قائمتها النفط، الذي استثمرته وتستثمره في تنميتها الوطنية الشاملة، ونهضتها الحضارية على شتى الأصعدة: الإقليمية والقارية والعالمية، حتى سجلّت حضورًا عالمياً مشهودًا، وريادة إقليمية معتبرة؛ لذا تتمتع المملكة اليوم بمكانة سياسية مرموقة، وثقل اقتصادي مهم على مستوى العالم، خاصةً أنها من اللاعبين الرئيسين في سوق النفط العالمية، وعضو مجموعة دول العشرين.
غير أن الاعتماد على الموارد الطبيعية وبالذات النفط ليس هدفًا إستراتيجيًا، أو خيارًا دائمًا، أو حلًا اقتصاديًا منطقيًا، فلا يمكن الاستمرار بالاعتماد على مصدر قابل للنضب وهو النفط، لهذا تلجأ الدول الناشئة، أو النامية، أو الواعدة إلى تنويع قاعدتها الاقتصادية. لكن يبقى هذا التنويع من أبرز التحديات الاقتصادية التي تواجه هذه الدول. وبالنظر إلى المسيرة التاريخية للتنمية الوطنية في المملكة، نجد أن القاسم المشترك لخطط التنمية المتعاقبة، كان تحقيق التنويع الاقتصادي من خلال خفض الاعتماد على النفط. ولكن، رغم الجهود الجيدة التي بُذلت وما تحقق خلال سنوات التنمية إلا أن اقتصادنا ما زال يعتمد بشكل كبير على النفط. هنا تكمن أهمية رؤية 2030، التي أعلنت في أبريل 2016م باعتبارها نقلة نوعية، ومرحلة مختلفة في المسار الاقتصادي بشكل عام. وقد جاء إعلان رؤية المملكة 2030م بمنزلة تحول تاريخي لفكر وبنية الدولة وتوجهاتها الاقتصادية، حيث تقوم هذه الرؤية على استثمار مكامن القوة لدى المملكة، سواءً كانت خصائص دينية، أو مقومات اقتصادية، أو مميزات جغرافية، ومن ثم العمل المتقن والمتابعة الجادة لتحقيق هذه الرؤية؛ لتكون المملكة نموذجًا ناجحًا ورائدًا على المستوى الإقليمي والصعيد العالمي. لذلك فرضت هذه الرؤية الطموحة واقعًا استثنائيًا على بلادنا بجميع مكوناته، وهي بمنزلة محطة مستقبلية نسعى إلى الوصول إليها بحلول العام 2030م، من خلال ثلاثة مسارات رئيسة (محاور رئيسة)، وهي: مجتمع حيوي، واقتصاد مزدهر، ووطن طموح، بحيث تندرج تحت كل محور مجموعة من الأهداف الإستراتيجية على ثلاثة مستويات، يتم تحقيقها - بمشيئة الله - من خلال برامج أساسية تشكل القاطرات التي تنقلنا إلى محطتنا 2030. حيث تقوم الوزارات والهيئات والمؤسسات الحكومية بتنفيذ ما يخصها في برامج الرؤية (12 برنامجًا)، التي أعلن عنها مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية، كبرنامج التحول الوطني، وتحقيق التوازن المالي، وصندوق الاستثمارات العامة، وخدمة ضيوف الرحمن، وتطوير الصناعة الوطنية والخدمات اللوجستية... وغيرها. فمثلاً في محور مجتمع حيوي، نسعى من خلال رؤيتنا إلى زيادة الطاقة الاستيعابية لاستقبال ضيوف الرحمن إلى (30) مليون معتمر، ورفع عدد المواقع الأثرية المسجلة في اليونسكو إلى الضعف على الأقل.. وغيرها. وكذلك الحال بالنسبة لمحور اقتصاد مزدهر، حيث تستهدف الرؤية رفع حجاقتصاد المملكة وانتقاله من المرتبة (19) إلى المراتب الـ(15) عالميًا، ورفع قيمة أصول صندوق الاستثمارات العامة إلى ما يزيد عن 7 تريليونات ريال، وخفض معدل البطالة إلى (7 %)، ورفع مساهمة المنشآت الصغيرة والمتوسطة إلى (35 %)، ورفع مساهمة المرأة بسوق العمل إلى (30 %).. وغيرها. وقس على ذلك ما يخص محور وطن طموح، حيث تسعى الحكومة إلى رفع حجم الإيرادات غير النفطية إلى تريليون ريال، وأيضاً الوصول للمراكز الـ(5) الأولى في مؤشر الحكومات الإلكترونية، والوصول إلى مليون متطوع سنويًا في القطاع غير الربحي. هذه أمثلة من مستهدفات الرؤية بحلول العام 2030م، وهي غيض من فيض، وهي تتطلب منا - بالدرجة الأولى - أن نستمر في ولائنا والتفافنا حول قيادتنا الرشيدة، وأن ندعم حكومتنا الفعالة، وأن نتفاءل بمستقبل أجيالنا، فبلادنا بلد خير وعطاء وازدهار. وكل ما يقوله المحبطون أو المتخاذلون هو من تأثيرات الإعلام المعادي، الذي لا يريد الخير والاستقرار لبلادنا، بل تقتله كل خطوة تخطوها بلادنا نحو مستقبل أكثر إشراقًا، فلنثق برؤية مملكتنا الغالية بتوجيهات خادم الحرمين الشريفين وقيادة ربانها سمو ولي العهد - حفظهما الله - لأنها هي مستقبلنا بمشيئة الله، ودعونا نستمتع بإنجازاتنا التي تغيظ أعداءنا.