حاولت الأمم المتحدة منذ نشأتها في أكتوبر عام 1945م تقدير خسائر الحرب التي خاضتها الإنسانية بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، وكانت من أهم أغراض الأمم المتحدة تحقيق السلام والتعاون الدولي ونبذ فكرة الحرب. وقامت فكرة السلام والتفاهم العالمي آنذاك على أساس أن الحب يبدأ أولاً في عقول البشر، فإذا أمكن تربية هذه العقول على حب السلام والتفاهم فإن ذلك سيكون الضمان الوحيد لتجنب العالم أهوال الحرب التي قد تؤدي إلى الفناء.
وتتبنى المنظمات التي تقع تحت مظلة الأمم المتحدة هدف تحقيق السلام؛ فمعهد الأمم المتحدة لبحوث نزع السلاح يقف موقفًا عدائيًا تجاه الحرب، ويعمل من أجل السلام ونزع السلاح لحماية الحق الأساسي في العيش بسلام. وتهدف منظمة الأمم المتحدة للطفولة (UNICEF) إلى تأكيد وترسيخ ثقافة وقيم السلام وسط الأطفال والشباب لأنهم يحملون على أعناقهم المستقبل لأوطانهم، والسلام ضروري للعيش بأمان واستقرار، وأصبحت اليونيسيف محط أنظار العالم في سنة 1965م لنيلها جائزة نوبل للسلام، وتقوم منظمة العفو الدولية (OIT) بالضغط على الحكومات والجماعات القوية الأخرى وتتأكد من أنها ستفي بوعودها وتحترم القانون الدولي من أجل تحقيق السلام ومكافحة انتهاك حقوق الإنسان حول العالم والحد من انتشار الأسلحة. وتهدف مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان (HCDH) إلى حماية حقوق الإنسان وإقرار السلام، ونادت إلى تعليم حقوق الإنسان التي تحتوي على الأفكار التالية (السلام والديمقراطية والعدالة الاجتماعية والتنمية)، كما تبنت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (UNESCO) نشر مفهوم ثقافة السلام 1989م في مؤتمر اليونيسكو الدولي الذي عقد تحت عنوان» السلام في عقول الرجال»، ونص ميثاقه على «لما كانت الحروب تتولد في عقول البشر، ففي عقولهم يجب أن تبنى حصون السلام». وبعد أن قادت العقد الدولي لثقافة السلام واللاعنف لأطفال العالم (2001- 2010) تواصل ريادة العقد الدولي للتقارب بين الثقافات (2013- 2022)، الذي يركز على الحوار بين الأديان والحوار بين الثقافات الذي يعد فرصة للتعاضد من أجل بناء «ثقافة السلام» على أسس واقعية.
وقد اهتمت الدول التابعة للأمم المتحدة بتربية السلام، ففي فترة الخمسينات ظهر مجال البحث في دراسات السلام بالجامعات في كثير من أنحاء العالم، والتي ركزت على التوصل لكيفية إدخال قضايا السلام في عقول الطلاب. وفي الاتحاد الروسي وعدد من البلدان الأخرى كشرق أوروبا ووسطها وإفريقيا وأمريكا اللاتينية قامت بإصلاحات بغرض تنشئة المواطنين على القيم الديمقراطية والمشاركة فيها والمثل العليا للسلام والتفاهم الدولي. وقد أشارت بعض المواثيق الدولية للايونيسكو (1995م) إلى الدور المهم الذي تقوم به الموضوعات التي تقدم بالمقررات الدراسية في تدعيم أفكار السلام، ومنها: مقرر الثقافات المقارنة التي تقدمه اليابان للطلاب في مرحلة التعليم الجامعي، الذي يهدف إلى تعريف الطلاب اليابانيين بالثقافات التي في العالم المحيط، من أجل نشر السلام والانسجام بين الشعوب المتباينة. والمملكة في مقدمة الدول التي تدعم الحوار بمختلف الثقافات والحضارات، بدعمها لمشاريع محلية وإقليمية وعالمية في مجالات تنشر ثقافة الحوار، فحققت إنجازات في بناء وتعزيز التنوع الثقافي وتعزيز العيش المشترك. ويمثل مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني تجربة حية لذلك، كما استحدث المشروعات التي تتواكب مع رؤية المملكة 2030 تعزيزًا لقيم التعايش والتلاحم الوطني ونشر ثقافة الحوار ودعم وترسيخ قم التسامح والسلام. كما أن عقد مذكرة تعاون مع وزارة التعليم لبناء شراكة إستراتيجية لنشر ثقافة الحوار وقيمه التربوية في أوساط التعليم.. لا مناص يعزز الاتجاه الحضاري داخل البناء التعليمي والمجتمعي.