د. عيد بن مسعود الجهني
عرف الإرهاب في كل العصور، وهو منطقة مظلمة من مناطق السلوك البشري ومن أعقدها، وهو من الناحية العقائدية والاجتماعية والسياسية له طبيعته الخاصة المختلفة عن مجرد العنف لتحقيق أهداف سياسية، والإرهاب طبقاً للاتفاقية الأوربية (لمنع وقمع الإرهاب) لابد أن ينطوي على درجة معينة من الخطورة والجسامة العدوانية تتضح من طبيعة العدوان ومدى شيوع النتائج الناجمة عنه.
وتحجيم الإرهاب مشكلة حلها ليس ميسورا ويقتضي العمل في اتجاهات عديدة، فالعنف العسكري وحده قد لا يكفي لاجتثاث المشكلة من جذورها.
وهناك الحلول القانونية والتشريعية، لكن لها هي الأخرى أوجه القصور الخاصة بها، حيث توجد ثغرات قد يفلت منها الإرهابيون، أو قد لا يبالون بالسجن والاعتقال وهناك الحل التربوي، ويعني إعادة ترتيب المفاهيم والفكر لدى أفراد المجتمع، لكن هذا طريق طويل من العمل الشاق الدؤوب ويستدعي عمل علماء الدين والتربويين والأجهزة الإعلامية، لكن هذا كله لابد له من وضوح الرؤية التي تبرز مخاطر الإرهاب، وهذا الأسلوب طبقته المملكة خلال العقود الثلاثة وجاء بنتائج ايجابية جعل بعض الدول تستفيد من تجربة وخبرة المملكة.
ورغم أن الاتفاق على تعريف الإرهاب تعريفا جامعا مانعا مازال حائرا في دهاليز الدول والمنظمات قبل وبعد الثورة الفرنسية عام 1789م حتى اليوم، إلا أن الإسلام حدده قبل أكثر من أربعة عشر قرنا، فالحرابة أو ما يطلق عليه إخافة السبيل وقطع الطريق تعريف للإرهاب.. وجميع أشكال الفساد في الأرض التي نهانا الله عنها، هو تعريف واضح لكل صور وأشكال الإرهاب وقد جاء بالاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب وسبق أن صدر عن مجلس وزراء الداخلية والعدل العرب وهو ما أيده إعلان بيروت لمجلس وزراء الداخلية العرب الذي عقد بين 29-30 يناير 2002م.
الإسلام يحترم الإنسان ويحافظ على كيانه وسلامته وكرامته مهما كانت ديانته، ما لم يكن معلناً الحرب بالسلاح على المسلمين قال تعالى: {لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ} البقرة 256، وقال تعالى: {لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ، إِلاّ مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ فَيُعَذِّبُهُ اللَّهُ الْعَذَابَ الأَكْبَرَ} الغاشية 22، 23، {فَمَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ} فاطر 39.
هذا الدين الخالد يسعى إلى أهم المقاصد لحماية البشرية من الاضطراب وعدم الاستقرار وذلك بفرض الأمن بوسائل مناسبة، يحفظ كرامة الإنسان ويستأصل المرض الذي يعكر أمنه، ليحافظ على سلامته واستقراره.
من هذا المنطلق الإسلامي يأتي دور العلماء في إصدار الفتاوى الشرعية ومنها ما أصدره مجلس هيئة كبار العلماء بالمملكة بقراره رقم 148 تاريخ 12محرم 1409هـ بإيقاع عقوبة القتل على من ثبت شرعاً أنه قام بعمل من أعمال التخريب والإفساد في الأرض التي تزعزع الأمن ومنها الاعتداء على الأنفس والممتلكات ونسف الطائرات أو خطفها ونحو ذلك.
هذا هو موقف الإسلام من الإرهاب.. لكن السؤال الخفي كيف يكون القضاء على شر الإرهاب؟ الإرهاب لا وطن له ولا أرض ولا حدود شأنه شأن المخدرات.. أنفقت عشرات المليارات على حرب المخدرات وكل عام يمر تقوى شوكتها، والحرب ضد الإرهاب لاتختلف عن هذا الوصف.. العدو مستتر غير محدد.
الجميع يعرف موقف المملكة ودورها في التصدي بحزم وقوة فهي أول من عانى من الإرهاب الأسود، وفي هذا السياق يجدر الذكر أن تنظيم (القاعدة) إستهدفها قبل استهدافه دولا أخرى وهناك قاسم مشترك بين المملكة ودول المنظومة الدولية قاطبة هو محاربة الإرهاب فالجميع يعانون من هذا الخطر الداهم، فمحاربته عند بلادنا في مقدمة إستراتيجيتها في سياستها الداخلية والخارجية.
من هنا مدت يدها من أجل التعاون الوثيق بينها وبين دول العالم لتبادل المعلومات وتجفيف منابع تمويله ووضع الخطط والإستراتيجيات لمحاربته دعما للمصالح المشتركة، هذا التعاون لايقل أهمية عن تعاون الجميع في الميدان الاقتصادي والتجاري والثقافي والنفطي والعسكري.. إلخ بل هو مؤثر ومنتج لتنشيط كافة مجالات التعاون بين الدول.
الدليل أمامنا واضح للتصدي للإرهاب في شهر جمادى الآخرة/ فبراير القيادة السعودية من منطلق اهتمامها بدعم عملية السلم والأمن والاستقرار على المستوى العربي والإسلامي والدولي، ومن موقع بلاد الحرمين الشريفين التي نزل الوحي على خاتم الأنبياء محمد- صلى الله عليه وسلم- في غار حراء، ليشع نور الله الخالد على الدنيا كلها لتصبح هذه الأرض المقدسة قبلة المسلمين في كل قارات العالم في صلواتهم الخمسة وحجهم وعمرتهم وزيارتهم، ولذا أصبح لقب قائد البلاد خادم الحرمين الشريفين.
في هذا الشهر رأس خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز وفد المملكة إلى القمة العربية الأوروبية في شرم الشيخ ومن أهم جدول أعمال المؤتمر وضع الخطط والاستراتيجيات للوقوف في وجه غول الإرهاب، ناهيك عن وضع خطوط هامة في العلاقات العربية - الأوروبية في ميدان التعاون الاقتصادي والتبادل التجاري ودعم العلاقات بين دول القارة الأوروبية والدول العربية في أول قمة عربية - أوروبية.
وعلى نفس النهج والأسلوب المتميز في علاقات المملكة مع دولنا العربية والإسلامية والصديقة كانت زيارات ولي العهد الأمير محمد بن سلمان في هذا الشهر إلى كل من باكستان والهند والصين وهي زيارات تاريخية رأس ولي العهد وفد بلاده إلى تلك الدول في زيارات رسمية قصيرة لكنها في مردودها كانت كبيرة إذا قيست نتائجها الهامة بالعلوم السياسية والاقتصادية والتجارية والاستثمارية والنفطية والثقافية.
ولم يكن الإرهاب (البغيض) غائباً عن جدول أعمال القمم التي عقدها ولي العهد مع قادة الدول الرئيسية الثلاث، بل كان حاضرا بقوة وبرز في جميع البيانات الختامية لتلك القمم، التي أبرزت الوقوف صفا واحدا للتصدي لهذه الظاهرة الخبيثة في هذه الحقبة من التاريخ الإنساني.
المملكة أدركت قبل غيرها خطر الغلو والتطرف والإرهاب لأنها دولة دستورها القرآن والسنة وجاء النص القطعي في القرآن الكريم على تحريم الإرهاب قال تعالى: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الأرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} المائدة 33.
وفي السنة المطهرة عنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم-: (لا تَحَاسَدُوا، وَلا تَنَاجَشُوا، وَلا تَبَاغَضُوا، وَلا تَدَابَرُوا، وَلا يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ، وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إخْوَانًا، الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ، لا يَظْلِمُهُ، وَلا يَخْذُلُهُ، وَلا يَكْذِبُهُ، وَلا يَحْقِرُهُ، التَّقْوَى هَاهُنَا، وَيُشِيرُ إلَى صَدْرِهِ ثَلاثَ مَرَّاتٍ، بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنْ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ، كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ: دَمُهُ وَمَالُهُ وَعِرْضُهُ). رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
وقد جاءت مبادرات حوار الأديان والثقافات من على أرضها اعتقادا منها أن الحوار ضروري في جميع الميادين السياسية والاقتصادية والحضارية ويمتد إلى وضع الخطط والإستراتيجيات لدحر هذا المرض العضال الذي إذا استشرى كما نراه اليوم في كل مكان سيترك آثاره السلبية على الحضارات العظيمة التي صنعها الإنسان الذي كرمه الله.
إن المتتبع لقمم تلك الزيارتين يدرك سرعة التطور في العلاقات والإستراتيجيات التي يقود سفينتها قادة المملكة الذين يحرصون على عقد القمم واللقاءات والاجتماعات من خلال القيام بزيارات رسمية وودية على درب تطوير العلاقات السياسية والاقتصادية والاستثمارية والتجارية والنفطية والثقافية والسياحية والعسكرية..الخ، الى جانب دعم السلم والعدل الدوليين والأمن والاستقرار في العالم والتصدي لآفة الإرهاب الذي تدعمه وتغذيه دول ومنظمات في مقدمتها ايران في الديار العربية والعالم أجمع.
هذا هو الذي يتفق مع مايشهده عالم اليوم من حقائق سياسية واقتصادية وإستراتيجية مثيرة في منظومة العلاقات الدولية على نحو لم يكن متوفرا في أي مرحلة من المراحل التاريخية السابقة باعتبار أن الدول هي الفاعل الأساسي في العلاقات الدولية والمملكة واحدة من تلك الدول تشهد ما يمر به النظام الدولي الجديد من تطورات متسارعة وتعقيدات وتحولات جوهرية في علاقات المنظومة الدولية.
والله ولي التوفيق