م. خالد إبراهيم الحجي
إن ثبات التقدم التكنولوجي على حالته وجموده عند حد معين يؤدي إلى توقف النمو الاقتصادي. والدليل على ذلك الانتكاسة التي منيت بها مكيفات ميتسوبيشي، وعملاق التصوير الفوتوغرافي كوداك، والهواتف المحمولة نوكيا وبلاك بيري التي وصلت إلى الذروة في مبيعاتها، وتفوقت على منافسيها، واستمرت لعدة سنوات ولكنها توقفت عن تطوير منتجاتها فاختفت من الأسواق، وحلت محلها المنتجات الأخرى التي طورت إمكاناتها وزادت مميزاتها التكنولوجية.. والتقدم التكنولوجي أنتج الثورة الصناعية وعَدَّدَ جميع المنتجات الحديثة، وزاد كمياتها بتنمية جميع قطاعات التجارة المتنوعة، والصناعات المختلفة، بالاعتماد على تشغيل الأنظمة الإنتاجية الحديثة، مثل: حوسبة البيانات، واستخدام الأتمتة والمكننة والذكاء الاصطناعي في جميع مجالات التصنيع المختلفة التي وفرت الوقت والجهد، وزادت كميات الإنتاج ونوعته؛ فأحدثت زيادات كبيرة في الدخل القومي وارتفاع معدل النمو الاقتصادي في جميع الدول الصناعية. وبالاستعانة ببيانات البنك الدولي نجد أن أوضح الأمثلة وأقواها على تأثير التقدم التكنولوجي في النمو الاقتصادي الدول التالية:
أولاً: كوريا الجنوبية:
شهدت كوريا الجنوبية البالغ عدد سكانها (53) مليون نسمة، واحدة من أكبر التحولات الاقتصادية في السنوات الستين الماضية. وقد بدأت كاقتصاد قائم على الزراعة في الستينات من القرن الماضي، وأصبحت اليوم واحدة من أكبر (10) مصدّرين للتكنولجيا في العالم، كيف حدثت معجزة التصنيع؟ الابتكار والاختراعات والتقدم التكنولوجي هي العوامل الرئيسية التي أثارت نهضتها الاقتصادية على مدى العقود الماضية. وتنفق كوريا الجنوبية الآن أكبر حصة من ناتجها المحلي الإجمالي على الأبحاث والتطوير (RالجزيرةD)، حتى أكبر من الولايات المتحدة واليابان، وهما من قادة العالم في الابتكار على أساس كثافة البحث والتطوير. وبين عامي 1996م و2015م نمت كثافة البحث والتطوير في كوريا الجنوبية بنسبة (88.5) في المئة، بينما نمت الولايات المتحدة بنسبة (14.4) في المئة. وارتفعت صادراتها في الناتج المحلي الإجمالي من (25.9 %) في عام 1995م إلى (56.3 %) في عام 2017م. وحقق اقتصادها نمواً قدره (3.06) في المئة عام 2017م.
ثانياً: إسرائيل:
برزت إسرائيل منذ العقدين الماضيين كمشارك حيوي رئيسي في قطاع التكنولوجيا العالية والصناعات التحويلية.. وتنفق إسرائيل معدل (4.2) في المئة من ناتجها المحلي الإجمالي البالغ (351) مليار دولار في عام 2017م على البحث والتطوير المدني، وهي واحدة من أعلى النسب في العالم، وتحتل إسرائيل المرتبة الخامسة بين أكثر الدول ابتكارًا في مؤشر بلومبيرج للابتكار. وقد وضع الابتكار التكنولوجي إسرائيل التي يقل عدد سكانها عن (8) ملايين نسمة في المركز الأول بين الدول الأكثر طرحاً أولياً لشركات التكنولوجيا (IPO) في بورصة نيويورك (الناسداك)، مؤشر التكنولوجيا الشهير. وتعد صناعة الماس الإسرائيلية واحدة من المراكز الرائدة في العالم في القطع والتلميع، حيث تصل إلى (32.2) في المئة من إجمالي صادراتها. وحقق اقتصادها معدل نمو قدره (3.33) في المئة في عام 2017م.
ثالثاً: فنلندا:
موطن أول اختراع للهاتف المحمول (نوكيا)، وعلى الرغم أن عدد سكانها لا يتجاوز الستة ملايين نسمة إلا أنها برزت في القارة الأوروبية على أنها مكان للشركات متعددة الجنسيات التي ترغب في الاستعانة بمهارات التقنية العالية وإنشاء المختبرات، وتحتل الصدارة بين دول الاتحاد الأوروبي في قطاع الإلكترونيات والتكنولوجيا النظيفة ومشروعات الجيل الخامس في الاتصالات. وحقق اقتصاد فنلندا معدل نمو قدره (2.63) في المئة عام 2017م. وتنفق فنلندا نحو (3.5) في المئة من الناتج المحلي الإجمالي البالغ (251) مليار دولار في 2017م في مجالات البحث والتطوير، أعلى من معدل إنفاق دول الاتحاد الأوروبي البالغ (2) في المئة.. ويأتي ما يقرب من ثلثي التمويل المالي على الابتكارات والاختراعات من شركات القطاع الخاص الفنلندي، والثلث الباقي دعماً من الحكومة الفنلندية.
الخلاصة:
إن بقاء المستوى التكنولوجي في حالة استقرار وثبات يؤدي إلى توقف النمو الاقتصادي وجموده، في حين أن التقدم التكنولوجي المستمر هو الذي يحافظ على تحرك الاقتصاد إلى الأمام ونموه.