شريفة الشملان
كلما اجتمع عدد من الصديقات رحن يتكلمن عن أشياء كثيرة.. السمنة وما تسببه، عجز الرجلين وجع الظهر، والأشياء الكثيرة المزعجة، على الطاولات الصغيرة بجانبهن عدد لا باس به من المغريات. حلوى الكاكاو تلك التي تذوب بالفم والمكسرات، غير الأطباق على طاولة القهوة والتي تلف يمينا ويسارا، ناهيك عن الموالح.
الشكوى لغير الله مذلة لكنهن يشكين من عاملات المنازل والأشياء التي يحدثنها، تلك ضبطت تدخن والأخرى واعدت رجلا والثالثة والرابعة وهلم جرى.
تستمر الشكوى ومعها الأوجاع. سيتغير الجو بعد قليل ليتم الحديث عن حفلة زواج بنت فلانة وأي شيء عملته وعن المطربة التي جلجلت القاعة بصوتها عن الزفة، وعن العشاء الذي قدم بعد الثانية فجراً. ولبس فلانة وعلانة والكل ما زال يتحدث والكل قدامه ما لذ وطاب وتمر ساعتان.. لم يتحرك أحد من مكانه.
كل شيء يوجع وكل شيء لا طعم له، وكل شيء بضغطة زر يأتي لنا حتى نحن ممن نمارس حرفة الكتابة لم نعد كالسابق لم يعد الكتاب الفلاني مصدرنا، المعلومة تأتي واصلة لجهازنا بلا تعب. ومعها التوثيق كاملاً.
كل شيء سهل وبالوقت ذاته كل شيء صعب صعبت الحركة وتألم منا الجسد وأكبر من ذلك فرصة التفكير والتجلي والبعد الذهني احتكرتها الصورة والنت.
عندما كانت أمهاتنا يقصصن علينا (أم العنزين) و(بنت السماك والسمكة الجنية) وهي التي عرفناها في المدرسة فيما بعد بسندريلا الغرب، كنا نرسم الصور بمخيلاتنا ونتابع أحداثها أنا شخصياً علمتني القص.
الرفاهية والاختراعات جلبت لنا فيما جلبت الكثير من الأوجاع والكثير أيضاً من أوجاع الرأس وزعزعت الكثير من نقاء الفكر. نحمد الله كثيراً على كل ما وهبنا وهذا شيء جميل أننا حامدون شاكرون. بالمقابل أصبح لدى البعض فائض من مال ولدى الآخرين عجز كبير وكدنا نكون مجتمع بلا طبقة وسطى وهذا ما يؤثر كثيراً على السلم الاجتماعي.
ومجال السلم الاجتماعي كبير وطويل ومعقد لذا سأتركه وأعود لأمراض الرفاهية والتي لابد من الحد منها قدر المستطاع. من ذلك قلة الحركة وما يصيب أحياننا من تصلب للعضلات. وما قد يجره من أمراض السكري والضغط. نكرم الضيف ولكن لا نضره، نأتي بخادمات ولكن لا ندع لهن الجمل بما حمل، إذا كنا نحن النساء أصابنا ما أصابنا فإن الرجال أيضاً شاركونا تلك الأوجاع فلم يعد التسوق للمنزل غالباً هو المتعة للمرأة والرجل وتفقد الثلاجة وما تحتاج، بل غالباً يقوم بالمهمة السائق.
من أمراض الرفاهية أيضاً أن البعض لا يجد ما يعمله ولا يجد لنفسه هواية أو ينتظم في مجموعات للتفكير والتبصر. نعم هناك نساء ورجال أيضاً يكونون بذرات صالحات للخدمة الاجتماعية وللأدب والتفكير عبر مجالس أدب وقراءات أدبية وثقافية ولكنها تبقى محدودة.
للرفاهية أوجاعها ولكن لها حقوقها وواجباتها وهي ككل شأن إنساني. متى ما عملت به تخف أمراضها ومن ذلك أن تعطي للمجتمع كم تأخذ، ليس البر أن نطعم الفقير بقايا حفلاتنا ولكن البر أن نعلم الفقير كيف يكتفي بذاته ويتطور، رسولنا عليه الصلاة والسلام أعطى فقيراً فأساً ليحتطب. المثل الصيني يقول: (لا تطعمني سمكاً بل علمني كيف أصطاد السمك).
هناك جمعيات خيرية وهناك أهل خير ولكن البلد يحتاج من أكبر جهد لاقله. ليس البلد هو الذي يحتاج فقط ولكن المرفهين ذاتهم يحتاجون لتفريغ طاقة تتجمع لتكون طاقات سلبية فنصيرها طاقات إيجابية تكبر وتثمر كما نخل وطننا، ولنخل وطننا حق علينا جميعاً وسأعود إليه بأمر الله..
لكم خالص الدعوات لصحة البدن والفكر..