ماجدة السويِّح
منذ أسبوع تلقيتُ تحذيرًا عبر البريد الإلكتروني من الإدارة التعليمة التي تتبع لها مدرسة ابني الابتدائية من لعبة خطيرة، بدأت بالانتشار بين الأطفال عبر الفيس بوك والواتس آب؛ لتنفيذ مهام وتحديات خطيرة وعنيفة، قد تؤدي للانتحار.
البريد المرسل حذَّر من تحدٍّ جديد، يدعى «تحدي مومو»، يشير إلى وقوع حوادث انتحار وإصابات في مناطق أخرى. بالطبع تضاعف القلق عندي، وبالتأكيد عند العديد من الأهالي؛ فالتحذير وصلنا من جهة موثوقة ومسؤولة، يُفترض أنها تعرف الكثير عن حقيقة هذه اللعبة، وعن مدى معرفة الأطفال بذلك التحدي. أسئلة كثيرة ومخاوف أكبر برزت بعد التحذير المرسل.
بحثتُ عن التحدي الشهير، ولم أجد سوى صورة واحدة، ومعلومات مكررة بالتداول بين الناس عبر الوسائل الإعلامية. «تحدي مومو» هي - كما تقول التقارير - لعبة تحدٍّ، تدفع الأطفال إلى تنفيذ تحديات خطيرة، قد تؤدي إلى الانتحار.
البداية كانت عام 2018 بالأرجنتين حينما انتشرت قصة انتحار فتاة، مع عدم وجود دليل يربط بين الحادثة ولعبة التحدي الجديدة، ثم انتقلت المخاوف إلى المكسيك بعد بلاغات متعددة حول استهداف الأطفال بالتهديد من قِبل «مومو»؛ لتنتقل بعدها حالة الذعر إلى بريطانيا وأمريكا، ومنها إلى العالم عام 2019.
الحقيقة، التحدي الذي اشتُهر باسم «تحدي مومو» لا يختلف في فكرته عن تحدي «الحوت الأزرق» الذي نُسبت له العديد من الحوادث، وحالات الانتحار في العالم كله، وفي السعودية أيضًا. آخر التقارير الصحفية كشفت أن الهستيريا التي ارتبطت بـ»مومو» لا تستحق كل هذه الضجة نظرًا إلى أنها خدعة، غذتها وسائل الإعلام، إضافة إلى مخاوف الوالدَيْن من نشاط أطفالهما على الإنترنت.
وقد أفاد الخبراء بأنه لا يوجد دليل قاطع على وجود علاقة بين اللعبة المزعومة وحالات انتحار الأطفال. وقد نفت إدارة YouTube الأنباء الشائعة عن وجود فيديوهات تدعو للإيذاء، أو مزاولة أفعال خطيرة على اليوتيوب.
«مومو» بعينيها الجاحظتين هي كأسطورة «حمارة القايلة» و»أم السعف والليف»، وغيرهما من أساطير متناقلة.. بكل بساطة هي خدعة كبيرة على الإنترنت، تحولت لظاهرة عالمية، بدون ضحايا فعليين وأدلة مادية على وجود التحدي في اليوتيوب أو الواتس. كل ما حدث كان بسبب حالة القلق التي غزت الآباء والأمهات والمربين والمسؤولين عن حماية الأطفال.. فما نعلمه عن هذا التحدي مجرد حكايات متناقلة، وصورة مرعبة وحيدة لامرأة بجسد طائر، هي في حقيقتها لا تعدو أن تكون سوى أسطورة، تتناقلها المنصات الاجتماعية، وصدَّقها الناس بعد إعادة تدويرها في وسائل الإعلام، ومنها إلى المؤسسات الحكومية.
باختصار، «مومو» هي «سعلوة» العصر الحديث «تُذكر ولا تنشاف».. فرفقًا بنا وبقلوب الأمهات والآباء من الأساطير الرقمية التي نضخم وجودها وتأثيرها بخوفنا وقلقنا المتزايد، دون دليل يثبت صحة الحكايات المتداولة.