د. أحمد الفراج
امتداداً للمقال السابق، عن الولايات الحمراء والولايات الزرقاء في الولايات المتحدة، أي تلك التي تصوّت للجمهوريين، والأخرى التي تصوّت للديمقراطيين، يحسن القول إن هذا الانقسام ليس جديداً، فهو أمر له جذور تاريخية، تعود إلى زمن الحرب الأهلية في القرن قبل الماضي، زمن الرئيس ابراهام لينكولن، وزمن إقرار قانون الحقوق المدنية، في عهد الرئيس، ليندون جانسون، في القرن الماضي. هذا، ولكن هذا الانقسام أصبح أكثر حدة، بعد انتخاباب أول رئيس أسود، في عام 2008، ثم بلغ أوجه، بعد انتخاب اليميني، دونالد ترمب، الذي رأى فيه المحافظون البيض، أي العنصريون، ومعظمهم في الولايات الحمراء، الزعيم المنقذ، الذي سيعيد لهم مجد سطوة الرجل الأوروبي الأبيض، كما قال أحد أشهر زعماء اليمين المتطرف، النازي ديفيد دوك.
وامتداداً للحديث عن التخوّف من أن يقود الانقسام الحالي، وضعف الثقة في المؤسسات الفيدرالية، إلى ضعف الاتحاد الأمريكي، أشير إلى أن الأرضية لذلك جاهزة، فلا يمكن أن تقارن ولايات لها طابع الدولية، حيث الأعراق والديانات المختلفة، مثل ولاية نيويورك شرقاً، وولاية كاليفورنيا غرباً، بولايات منغلقة على نفسها، مثل ولايتي الاباما وميسيسيبي، في عمق الجنوب الأمريكي الزراعي، المحافظ والمتدين، فالاختلاف جذري، وأذكر أني ذات مرة سافرت من ولاية ميتشجن في وسط الشمال الأمريكي إلى الجنوب، وحدث أن احتجت إلى التزوّد بالوقود، فانحرفت من الخط السريع نحو منطقة نائية، في ولاية الاباما، وعندما تحدثت مع عامل المحطة، كان يرمقني وكأنني كائن قادم من عوالم أخرى، ثم قال لي نصاً: «أنصحك بأن تخرج من هذه المنطقة قبل حلول الليل، فالناس هنا لا يحبون الغرباء»، وكان ذلك قريباً، في تسعينات القرن الماضي!
هناك متطرفون أمريكيون، على استعداد لارتكاب جرائم عنصرية، وسبق أن كتبت مراراً عن مثل هذه الحوادث، التي كان من أشنعها ما قام به متطرف أبيض، اقتحم كنيسة للسود بكل هدوء، ثم قتل أكثر من عشرة أشخاص بدم بارد، وكان هذا قبل سنوات قليلة، في عهد الرئيس باراك أوباما، وإليكم هذه القصة الجديدة، التي تشير إلى مدى الانقسام الحاد في المجتمع الأمريكي حالياً، فقبل أسابيع، تم إلقاء القبض على ضابط في حرس الحدود الأمريكي، وهو نازي متطرف، كان يتدرب على الأسلحة ويستخدم المقويات، اقتداءً بالمتطرف النرويجي الشهير، اندريز بريفك، الذي قتل 77 شخصاً في عام 2011، ولم يندم على ذلك، بل إنه يفخر بما قام به، ويعتب على إدارة السجن، التي لا تقدّم له الأطعمة التي يرغب فيها، فماذا كان الضابط الأمريكي المتطرف ينوي فعله؟! هذا ما سنتحدث عنه في المقال القادم.