فضل بن سعد البوعينين
اشتكى أمين محافظة جدة صالح التركي من رداءة المشروعات المنفذة، ومخالفات المقاولين وتهاونهم في إعادة إصلاح الطرق والأرصفة بعد انتهائهم من تنفيذ تمديدات البنى التحتة، وعدم قدرة الأمانة على ضبط جودة مخرجاتهم، مع غياب الأدوات المحققة لمعايير الجودة والالتزام.
شفافية الأمين كانت سببًا في احتفائية المواطنين بالفيديو الناقد، وتذمر المقاولين، ومسارعة وزارة الشؤون البلدية والقروية بالرد والتأكيد على تمتع أمناء المناطق والمحافظات بصلاحيات معززة للرقابة «بما في ذلك فرض الغرامات وسحب المشاريع من المقاولين وتنفيذ الأعمال على حسابهم».
لم تعد الغرامات تؤثر في المقاولين بل باتت جزءًا من التكاليف الأولية التي يحملونها على المشروع، تحسبًا للمخالفات التي يوفرون من خلالها أموالاً تفوق في مجملها قيمة مخالفة الأمانة.
أما عقوبة سحب المشروع فتقع تداعياتها على المواطن المتضرر من إطالة أمد المشروعات، وبقاء حفريات الشوارع لسنوات طوال؛ كما أن إجراءات إعادة الطرح المعقدة تضغط على الأمانات كي تقبل بعوار مخالفات المقاولين بدلاً من عمى التأخير وربما الإلغاء لعدم وجود المخصصات المالية. هناك جانب مهم في رداءة مخرجات المشروعات البلدية، لم يتطرق له الأمين، مرتبط بقضايا الفساد التي تتسبب في إضفاء الشرعية على المخالفات الكبرى، وتسمح بتسلم المشروعات المخالفة وبالتالي صرف المستحقات، كما أنها تسمح أيضًا بغض الطرف عن التلاعب في الكميات المحددة لقيمة المشروع.
لم يكن نقد أمين جدة مرتبطًا بمخرجات المقاولين البارزة فحسب؛ بل ربما طال نظام المناقصات، وغياب الرقابة ومكافحة الفساد التي غذت جرأة المقاولين وتهاونهم في تنفيذ المشروعات الحكومية؛ وغياب آلية محكمة تضمن الجودة كما هو مطبق في أرامكو السعودية على سبيل المثال لا الحصر.
أعتقد أن المتهم الأول في رداءة المخرجات؛ هو منظومة الطرح والرقابة التي تسمح بدخول مقاولين غير أكفاء من الناحية التشغيلية والملاءة المالية لتنفيذ مشروعات إستراتيجية كبرى. وعدم وجود آلية التقييم الحكومي التي تربط بين قيمة التنفيذ العادلة؛ والسعر المقدم من المقاولين؛ ما يسمح بحصول صاحب العرض الأقل على المشروع وإن كان جاهلاً بتكاليفه الحقيقية؛ فيتسبب في إقصاء المقاولين الأكفاء، ويعجز عن إكمال المشروع بعد مواجهته التكاليف الحقيقية؛ فيقع بين مطرقة المخالفات والغش أو سندان التعثر وتوقف المشروع.
المنافسات الحكومية بما فيها مناقصات وزارة البلديات في حاجة إلى إعادة هيكلة من أجل خلق نموذج كفؤ يساعد على ضمان جودة مخرجات المشروعات وتعزيز الشفافية والنزاهة. ومن أهم أدوات النموذج، اعتماد تصنيف دقيق للمقاولين، وجعل السجل التاريخي جزءًا من معايير السماح بدخول المناقصة، واعتماد القائمة السوداء، واحتساب تكلفة المشروع الحقيقية قبل طرحه، واستبعاد كل مقاول يعرض سعرًا أقل أو مطابقًا للتكلفة الحقيقية الخالية من هامش الربح المنطقي؛ إضافة إلى قياس قدرة المقاول التنفيذية وبما يمنع تكدس المشروعات لدى مقاول واحد يعجز عن تنفيذها في الوقت المحدد.