مها محمد الشريف
يحكى عن ديوجين أنه خرج ذات يوم يحمل مصباحاً في واضحة النهار، قاصداً السوق، حيث عامة الناس منشغلون بحياتهم اليومية، وهو يردد «أنا أبحث عن الحقيقة» بالطبع الحقيقة في عصره، فهل يحتاج في البحث عن الحقيقة، إلى مصباح في واضحة النهار، أم هو مصباح الحكمة الذي جعل الالتزام علنياً ليتحمل المسؤولية الكاملة بوصفه خطأ في التقدير، أو في الأساس الذي تقوم عليه هذه الحقيقة؟
وهذا بالضبط ما حاول كثير في الأوساط السياسية معرفة حقيقة أسباب فشل قمة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والرئيس الكوري الشمالي كيم جونغ-أون في هانوي الأسبوع الماضي، وهل فعلاً تمت تغذية الأحداث من قِبل لجنة برلمانية لإفشال القمة والتحقيق مع محامي ترامب السابق مايكل كوهين، كما غرَّد بها ترامب عبر حسابه في تويتر، والتي وصف فيها ترمب كوهين بأنّه «كاذب ومخادع». وانتقد قرار لجنة التحقيق في مجلس النواب القاضي بتنظيم جلسة الاستماع لكوهين تزامناً مع انعقاد القمّة حول الملف النووي لكوريا الشماليّة في فيتنام، علماً بأن الديمقراطيين يشكِّلون غالبيّة في المجلس كما قيل.
من هنا بدأ الانخراط في اللعبة مع الطرفين المتناقضين، والعقول المبتكرة لها من البداهة ما يثبت أن الكثير من النزاعات والصراعات مفتعلة، فالعمل الذي أرسى دعائم الفكر في عقول المفكرين السابقين وأسس قدراتهم على استيعاب التناقض وتكوين العلوم وتفسير الظواهر ودراسة التحولات الكبرى في المعرفة البشرية، وصعوبة بناء المعرفة وارتباطها بمدى حرية الإنسان وقوانينه ومواقفه وابتكاره الذي يعتمد على بناء معرفته، عجز عن معرفة حقيقة سياسية واحدة حددت لنفسها معايير غامضة وغارقة في التأثيرات المتناقضة!
ففي كل مرة يستعير الواقع منا حلقات غير مكتملة إثر انقلابات وأحداث عاصفة عرَّضت الإنسان العربي لأزمة حادة إثر الحرب، ويطالب بتأسيس المفاهيم والمعرفة العلمية ومعرفة نسيج وانطباعات وتقنيات العصر والرغبة في الاستقرار والسلام وهو المسلوب الإرادة والحقوق، وبالمقابل الوسط السياسي يكرِّر المشاهد فتظل تلاحقه بتقلباتها وأحداثها والإمكانيات التي على أساسها تتباين بها درجة العنف والكذب، فهل يمكن الحديث عن مصباح ديوجين في غياب الحقيقة؟
لذا فنحن نتساءل عن حقائق الجهود المبذولة من الدول العظمى بإيقاف الحرب في سوريا والعراق وليبيا وطرد حزب الله من لبنان والحوثيين من اليمن وليست من خلال نتائج مفاوضات أو مؤتمرات أو الأسباب التي يبحث عنها الرئيس الأمريكي، لكي نعي مفهوم الحقيقة، فلطالما اقنعتنا تأكيدات عن العالم الطبيعي والبيانات التجريبية بشكل عام لم تكن صحيحة، وأيضاً في حال ارتباطها بغايتها وهدفها ومقصدها، علاوة على بناء المعرفة الإنسانية والحاجة الملحة لمبتكرين جدد تنبع معارفهم من ميادين مختلفة وبعيدة عن مصالح الأنظمة السياسية.
إن هذه المفارقة تدفعنا إلى التساؤل حول مصدر الحقيقة، فمن أين يستمد الشخص الحقائق؟ وهل بالفعل هناك هوية ثابتة للحقيقة غير التي تظل بين التفسير والتنبؤ؟ وهل الدول الغربية اليوم غيَّروا مجرى التاريخ بأطماعهم؟ وكيف يمكن القول إن الحقيقة ذات غاية يصعب ضبطها نظراً لتغيّر المواقف المحيطة بها؟