عبدالعزيز السماري
يقول سيغموند فرويد إن الإِنسان يحتاج إلى أمرين للسعادة، «الحب والعمل»، وما يهمنا في هذا الإيجاز هو العمل، فمن طبيعة الإِنسان أن يعمل وينتج، ولهذا تأخذ أهمية حلول البطالة أهمية كبرى، فالمتوقف عن العمل هو الأكثر كآبة في المجتمع، وتتضح تلك الرؤية بعد قضاء إجازة طويلة لمدة شهر أو شهرين، فالعامل أو الموظف يعود بشغف ونشاط إلى العمل، والسبب أن الطاقة الإنتاجية قد انخفضت، ولذلك انعكاسات سلبية على الأعصاب وإفرازاتها، لذلك نحن في وضعنا الطبيعي عندما نعمل وننتج.
على الرغم من أن الراحة والاسترخاء أمران ضروريان، إلا أنهما حالة وقتية، وإذا تجاوزت المدة المعقوله تتحول إلى طاقة سلبية، والمجتمعات تكون أفضل حالاً إذا كان الأفراد يعملون وينتجون في حياتهم في كثير من الأحيان، ولهذا يتعرض العاطلون عن العمل لأمراض الكآبة واليأس..
هناك علاقة سببية بين البطالة وتدهور الوضع الصحي، فالأشخاص العاطلون عن العمل معرضون للتدخين بشكل أكثر من الأشخاص العاملين، ويواجه المدخنون مخاطر أعلى من أن يصبحوا عاطلين عن العمل، وقد بينت المؤشرات النفسية بشكل جيد ما يتعلق بالتأثيرات الصحية للبطالة، ففي فقدان أو الحصول على عمل له آثار واضحة على الأعراض النفسية وعلى الرفاهية، وعادة ما تحصل زيادة معدل الوفيات بين العاطلين عن العمل.
في عام 1984، نُشرت دراسة ربطت بيانات التعداد بسجلات الوفيات ووجدت أن الرجال العاطلين عن العمل في أسبوع التعداد السكاني لعام 1971 كانوا أكثر عرضة للوفاة بنسبة 36 في المائة من الرجال في نفس العمر الذين كانوا يعملون، مما يثير السؤال: هل يمكن للبطالة أن تقتل، وإذا كان الأمر كذلك، كيف؟
سوء الصحة شائع بين العاطلين عن العمل، وقد تكون العلاقة السببية ثنائية الاتجاه، فقد يؤدي سوء الحالة الصحية إلى البطالة، أو أن يكون عقبة أمام فرص العمل، بينما قد يكون للتوقف عن العمل تأثير سلبي على صحة المرء، وترتبط عدة مشكلات صحية البطالة مثل أعراض الإجهاد، والاضطرابات النفسية، وارتفاع ضغط الدم، وأمراض القلب التاجية..
خلال السنوات الأخيرة، أشارت الدراسات إلى أن الإجهاد النفسي والاجتماعي الحاد لمعضلة عدم العمل يمكن أن تؤدي إلى تغييرات واضحة في الاستجابات المناعية البشرية، وأن هذه التغيرات تتم في الأغلب بوساطة وسطاء عصبيين، علاوة على ذلك، تشير هذه المتغيرات إلى أن مستويات عالية من الالتهاب قد تكون العلاقة بين البطالة واعتلال الصحة، وتوجد عدد من الدراسات السابقة التي تشير إلى أنه قد يتم تغيير بعض جوانب وظائف المناعة بعد فقدان العمل..
أظهرت أبحاث ماري جاهودا عن البطالة في الثلاثينيات أن هناك منافع غير مالية للعمل، مثل الثقة في النفس وتجديد الهوية وزيادة الاتصال الاجتماعي المنتظم، وهي وسيلة مؤثرة للرفاهية النفسية. وبما أن فقدان الوظائف يؤدي عادة إلى انخفاض حاد في الدخل، فمن البديهي أن تؤثر البطالة في الصحة البدنية من خلال تقليل جودة الغذاء أو فرص ممارسة الرياضة.
لذلك نصحيتي لأولئك الذين يعانون من البطالة أن يعملوا ولو تطوعًا، فالاستمرار في حالة عمل، سيفتح لهم أبوابًا حقيقية في حياتهم العملية والنفسية، وهم بذلك يحافظون على صحتهم البدنية والنفسية، فالاستسلام للسكون يؤثر كثيرًا في قدراتهم النفسية والبدنية..
طوال التاريخ لقد أثبتنا أننا كبشر، فُطرنا على العمل، ومع ذلك، فإن أعمق استيعاب لهذه الحقيقة لا يفسد الواقع الذي نخشاه في بعض الأحيان، يقول الفيلسوف الرواقي والإمبراطور الروماني ماركوس أوريليوس عن هذا الرعب الحقيقي في تأملاته، «أنا أرقص للقيام بعمل إِنسان، فلماذا أنا شديد الانفعال إذا كنت سأفعل ما ولدت لأفعل؟