عبادتك/ تعاملك/ دنياك...
وهنا أُفصّلها (*) في ثلاثة مواضيع - تحت عنوان واحد...
عجيب ليس بعجيب
الله سبحانه حين خلق الإنسان، لم يتركه سدى، بل ولم يسمح أن تذهب حياته منه عبثًا! بل نظم له حياته (إذا سار بها وفق ما ترتيب مولاه) سبحانه فقد أسقط عنه التكاليف حتى يبلغ ليستمتع بطفولته وصباه، فيتبع ما بعد الطفولة أخذ قسط من العلم يسبق التكليف، فالصلاة وهي عمود التكاليف (مروهم عليها لسبع واضربوهم عليها لعشر)، مما يدل على التشديد بالطلب بالأخص على والديه بهذه الفترة تربيته ومن ثم على معلميه السعي الجاد في تعليمه (ليقيم ربه عليه الحجة فيما بعد) وعند البلوغ تبدأ عملية المحاسبة بالتدرج.. فمن التعذير (لشاب ليست له صبوة)، إلى قبول ما يقع من أخطاء شريطة أن يتدارك نفسه.. وهكذا.. حتى يبلغ الأربعين التي فيها تمام العقل مما يتبع من طويل العتب إذا ما وقع وإلى أن يبلغ مبلغًا تسقط عندئذ جميع الأعذار/ الستين، كما في حديث: (أعذر الله امرأً أبلغه الستين من عمره) حتى أن ملامته تتضاعف ففي نص كله وعيد: (ذي الشيبة الزاني..) بل إنه قمين بمن بلغ مرحلة تلك أن يكون على أهبّة الاستعداد للقاء الله، كما دلالات أعلاها حديث (أعمار أمتي بين الستين والسبعين) ثم إنه (قليل من يعدوها) وفي إشارات مثل ثلاثة رسل ملك الموت (شيب الشعر سقوط الأسنان احدداب الظهر)، وهذه للعلم هي نعمة كمن يعطيك تنبيهًا عن إغلاق الطريق وأنت مسرع لتخفف من سرعتك وراء الجري خلف الحياة التي فرصتك فيها تنقضي وحاجاتك منها لا تنقضي!!
وأيضًا ليخفّ التعلق بها.. فإن أنين الكبير إشارة تململ وعدم تحمّل والأولى به من هذا التململ استغلال ما بقي إن كان فيه بقية تستحق بكثرة النوافل وقلة مداخلة الناس في دنياهم والاستفراد بالنفس لمحاسبتها قبل أن تحاسب يوم لا باليد ما يمكن أن تعتذر به أو تقدمه.. لتوقي ما يطالها من عقاب ليفعل ذلك الآن (ولو) في الاستسماح ممن وقع منه معهم من أدران الدنيا.. ما ليس باليد دفعه ولا بالقلب صبر على وقعه.
عجيب ليس بعجيب
وهذا للعلم ينسحب على زوايا أخرى من حياته فالتنظيم السابق من ناحية علاقة المخلوق بالخالق وهنا مورد علاقته بالمخلوق -مثله- فإن قامت وفق ما أمر به الله من تعامل، وندب إليه من خُلق فهو سيسمو بأعين الناس كافة وليس عباد الله منهم وهي مرتبة لا تأتي بسهولة ولكن بحزم النفس والتحمل وإلى حين يدرك هذا الإنسان أن الرحلة -رحلة الحياة- قصيرة وبالتالي لا تستحق أن تؤثر زائلها على ما عند الله وهو {خَيْرٌ وَأَبْقَى} أي {وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى} أي: ثواب الله في الدار الآخرة خير من الدنيا وأبقى، فإن الدنيا دنية فانية، والآخرة شريفة باقية، فكيف يؤثر عاقل ما يفنى على ما يبقى، ويهتم بما يزول عنه قريبًا، ويترك الاهتمام بدار البقاء والخلد؟!
ثم لاحظ من يصف «الآخرة» وما بها أنها (خير) هو خالق هذا الخير الذي ترتع به بين يديك -الدنيوي- وقد اغتررت به ثم هو (أبقى..) من زائل، إن لم يرحل عنك.. رحلت أنت عنه!، أي أن الفراق حال حتمي.. الوقوع، و... هذا موضوع يطول لكن حسبك منه حديث (وخالق الناس بخلق حسن).. ودقق أن النص لم يختصّ أهل دينك فحسب، وإنما الناس قاطبةً.
عجيب ليس بعجيب
الحياة لها ترتيبها الذي يجعلك تقطع بيْدها (إلى الستين).. بلا كلل ولا تململ فأنت كمثال بسيط إذا قسمت الطعوم على نهارك.. استمتعت بها، وفرحت بـ(وقت) كل وجبة، بعد انتظار، وهذه وضحّها حديث (للصائم فرحتان: فرحة حين يفطر، وفرحة حين يلقى ربه) فإن فرحة الصائم عند فطره أن النفوس مجبولة على الميل إلى ما يلائمها من عموم المباحات (لغير الصائم) من مطعم ومشرب لكن إن هي خلطت حابلها بنابلها وعصفت وقتها، فبربك ماذا تُبقي لبقية نهارك؟!
وهكذا هو عمرك، وبالمنسب تجد أن (المترفين) أكثر الخلق مللا!، وانتشار الانتحار بينهم.. أو هو فاشٍ فلا تتعجل شيئًا قبل أوانه ولا تأخذ شيئًا قبل زمانه، وتقريبُ آخر/ لو صرف الطبيب دواء لمريض بمدة ثلاثة أيام فأتاه ناصح -بالتأكيد أحمق- ليقول له: لماذا تنتظر الشفاء بعد ثلاثة أيام! التهم علبة الدواء لتُشفى الآن أليس إن فعل إلا شاركه في الحمق!!
موضوع مماثل لو أحدهم يرتع بالحرام (بالأخص إن تيسّر له).. ولعل هذه من أحد حكم وعي الحديث: (لا يخلون رجل بامرأة إلا وكان الشيطان ثالثهما)..
ثم قرر التوبة... فتزوج، بربكم؟!
هل يتلهف لعروسه كما هو الحال مع سائر العرسان؟.. أبدًا، لأنه استبق متعة قبل أوانها وحاله هذا كحال من قطف ثمرة قبل نضجها ولذلك.. تجد من أمر أكبر في الحِكم أن يحرم القاتل نصيبه من مورّثه، إذا ما تجرأ فقتله (تعجّلا) أن يرثه قبل حلول أجله..
كما ولأجل أن لا يستخف وارث بمورثه (فالمال مطمع للنفس الضعيفة) بخاصة إذا ما تكالبت عليها ظروفها و...!
** ** **
(*).. اليوم هناك دورات لإدارة الوقت
وكذا لحسن تدبير المال، ودروس بل مواعظ بالأخلاق -فخُطب الجمعة هي من هذا القبيل- و....إلخ
لكن يكفيك من كل ذلك «الالتزام» بتعاليم ربك.. تكفي بإذن الله كلّ تلكم... وأكثر.