د.سالم الكتبي
وسط قلق إيراني بالغ من مصير نظام الملالي، وفي خضم محاولات حثيثة للتعامل مع سيناريو الانهيار الذي يقترب تدريجياً من الاقتصاد الإيراني، عبر السعي لصرف أنظار الشعب الإيراني عن الضغوط والمعاناة المعيشية بافتعال أزمة مع الخارج ومحاولة إقناع الإيرانيين بأن بلادهم تتعرض لمؤامرة إقليمية/ أمريكية، لجأ المسؤولون الإيرانيون إلى سيناريو مواز يتمثل في محاولة دق أسفين وشق صف التحالف السعودي الإماراتي، وإثارة شكوك المملكة العربية السعودية الشقيقة في نوايا الإمارات من خلال إثارة ادعاءات كاذبة وزائفة!
هذه المحاولات المحكوم عليها بالفشل بدأت بتصريح لأمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، علي شمخاني، قال فيه إن «موقف الإمارات تجاه بلاده لا ينسجم مع الموقف السعودي»، وزعم أن هناك رسائل تعاون ومساع لحل «سوء التفاهم» بين الإمارات وإيران.
المؤكد أن مثل هذه المحاولات الخبيثة لا تنطلي على أي باحث سياسي مبتدئ، ولا يقبل بها أي متخصص يدرك مسيرة تطور العلاقات العميقة التي باتت تربط دول التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية من ناحية، وإيران من جهة ثانية في الاتجاه المعادي.
الحقيقة أن هذه التصريحات الخبيثة كانت، برأيي، محاولة لإخفاء ما هو أهم وأكثر في حديث شامخاني وهو قوله إن «الرد على العقوبات الاقتصادية الأمريكية لن يكون بالضرورة إغلاق مضيق هرمز»، وهو كلام يمثل تراجعاً هائلاً في موروثات الخطاب السياسي الإيراني القائم منذ سنوات طويلة مضت على التهديد بإغلاق المضيق في حال تعرض النظام الإيراني لأي خطر، وهي تهديدات تشارك فيها جميع مسؤولي النظام بداية من هرم السلطة المرشد الأعلى علي خامنئي وانتهاء بصغار قادة ميلشيات الحرس الثوري الإيراني!
تناولت تصريحات شامخاني أكاذيب عدة منها قوله إن الولايات المتحدة تحاول بناء تحالف ضد إيران منذ عهد الرئيس السابق باراك أوباما، وأن ما أعاق هذه المحاولات أن الدول العربية لا تتفق على رأي واحد تجاه إيران، وقال إن بعض الدول مثل الكويت وعُمان وقطر تحاول منع حدوث «توترات مزيفة»، وأن الموقف الإماراتي من إيران لا ينسجم مع نظيره السعودي!
هذا الكلام لا يحتاج إلى تفنيد ومن العبث الرد عليه أو السعي لإيجاد مبررات تكشف كذبه وزيفه لأن الجميع يعرف ببساطة أن الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما لم يبذل أي جهد لبناء التحالف المزعوم ضد إيران، بل ظل سنوات حكمه يبحث عن وسيلة أو آلية للتعامل مع إيران بمعزل عن جوارها الإقليمي، وانتهت مساعيه بتوقيع الاتفاق النووي مع نظام الملالي عام 2015 بمشاركة الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن بالإضافة إلى ألمانيا، وهي المجموعة المعروفة بـ»5+1»، التي وقعت الاتفاق بعد سنوات طويلة من التفاوض عبر وساطات إقليمية ودولية مختلفة، وانتهى الأمر بهذا الاتفاق إلى الفشل، أو في أفضل التقديرات الجمود والتكلس، بعد انسحاب إدارة الرئيس ترامب منه وفضح الثغرات التي شابته بسبب محدودية الرؤية الإستراتيجية التي انطلق منها، وعدم شموله للبرنامج الصاروخي الإيراني ما ترك لإيران حرية واسعة في توسيع نفوذها وتنفيذ مؤامراتها الإقليمية بالتوسع في سوريا والمضي في استكمال مشروعها الطائفي!
الحقيقة الواضحة أن شامخاني قد تعمد الغموض في تصريحاته كي يتاح له إثارة الشكوك قدر الإمكان، حيث تحدث عن تلقي النظام الإيراني ما وصفه بـ»رسائل تعاون ومساع لحل سوء التفاهم بين الإمارات وإيران»، من دون أن يحدد ماهية هذه الرسائل المزعومة ولا من أرسلها ولا توقيت إرسالها، ولا حتى استفاض في الحديث عن «سوء التفاهم» الذي يقصده!
«سوء التفاهم» هي العبارة الأثيرة أو المفضلة لدى الملالي للتعبير عن غضب دولة الإمارات واستيائها من استمرار احتلال إيران للجزر الإماراتية الثلاث (طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى» ورغبتها في إيجاد تسوية سلمية لهذه القضية سواء عبر التفاوض الجاد المباشر أو إحالة القضية للتحكيم الدولي، وبالتالي فهو هنا يريد خلط الأوراق، فالإمارات قد ظلت لسنوات في مراحل تاريخية سابقة تعمل على تسوية هذه القضية سواء عبر إثارتها بشكل مباشر مع الجانب الإيراني حين كانت هناك قنوات مباشرة مفتوحة للحوار، أو عبر إثارتها مع الشركاء الدوليين، باعتبارها إحدى القضايا المركزية في السياسة الخارجية الإماراتية، ولكن هذا الأمر لم يعد قائماً منذ التغلغل الإيراني في المنطقة وتحديداً في اليمن، حين انكشفت أبعاد المؤامرة التي كانت تحاك في طهران للسيطرة على هذا البلد العربي الخليجي العريق من أجل إحكام المؤامرة على مفاصل النظام الأمني الخليجي عبر وكلاء إيران وميلشياتها في الشمال (سوريا والعراق) من جهة وعبر وكلائها في الجنوب (جماعة الحوثي) من جهة ثانية!
يدرك شمخاني وغيره من رموز نظام الملالي أن ما يجمع بين المملكة العربية السعودية الشقيقة ودولة الإمارات في إطار التحالف العربي ليس موقفًا سياسيًّا يمكن تجاوزه، فالتحالف لا يقتصر على روابط مصالح إستراتيجية فقط بل بات مكتوبًا بدماء الأبطال الشهداء من الجيشين السعودي والإماراتي الذين امتزجت دماؤهم مع أشقائهم اليمنيين على أرض هذا البلد العربي الشقيق دفاعاً عن الحق ونصرة الشرعية وتلبية نداء الأخوة، فالمسألة لم تعد حديث مصالح عابرة بل باتت تحالف مصير لا يمكن الطعن والتشكيك فيه عبر هذه التصريحات والمحاولات الصبيانية التي لا تنطلي على أحد، ولعبة الملالي القديمة بشق الصفوف والانفراد بدول مجلس التعاون كل دولة على حدة لم تعد تنطلي على أحد سوى حلفائهم في الدوحة، الذين يستشعرون ما فعلوه من مؤامرات في حق أشقائهم فلم يعد يحلو لهم مكان سوى أحضان الملالي في إيران.
لم يفلح شامخاني في أن يزيغ الأبصار بتصريحاته الخبيثة، وطاشت محاولته المكشوفة لشق الصف وإثارة الشكوك، فالقادة في المملكة يدركون عمق وحجم وصدق المساندة الأخوية من الأشقاء في دولة الإمارات، والعلاقات كما هو واضح للجميع تفوق علاقات التحالف التقليدية بين الأشقاء بل باتت نموذجاً استثنائيا يعمل ليس فقط لمصلحة الشعبين السعودي والإماراتي بل من أجل إنقاذ منطقتنا بأكملها من براثن المشروع الطائفي الإيراني.