أمل بنت فهد
بعض الاعتقادات مجرد مبررات، يستخدمها الإنسان ليمرر رغباته، سواء كانت مقبولة أو غير مقبولة.. فحين تسمع لأحدهم وهو يقول: أنا غضوب، أو بالعامية أنا (حار، ما أصبر) فهل يتكرم بشرح هذا الغضب! وتلك الحرارة التي يبرر بها صوته العالي، وكلماته المنفلتة، وتصرفاته المتوترة، والتي بدورها تمر مرور العاصفة، وفي طريقها تجرح المشاعر، وتكسر القلوب، وتدمر العلاقات.
والأغرب حين يقتنع مجتمع ما بأنه فعلاً خارج السيطرة، وأنهم يسامحون هذا العبث المجنون بأعصاب الآخرين، والعذر أنه غضوب!. والحقيقة المتوارية خلف هذا المشهد الذي يتكرر في كل زمان ومكان، مهما كانت ثقافة المجتمع الذي تحدث فيه، ما ذكرته أول المقال، إنها الاعتقادات التي تخفي خلفها المبرر المشبوه، والغضب انفجار لتحويل ما حوله إلى حطام، إنها رغبة انتقام مهذبة، إنها عدوانية مستترة، ليس أكثر. لأننا حين نسمح بالوصف أن يشرع الفعل، فنحن نرضخ لدهاء الإنسان ومكره، تجاه نفسه قبل أن يكون اتجاه الآخرين.
فلو قيل: لا، لذاك الغضوب، وذاك الذي لا يتحمل الانتظار، والآخر الذي يقول أيّ كلمة تخطر بباله لأنه (صريح) وهو للوقاحة أقرب، لو كان للمجتمع دور في رفض ما يقوم به، بوضوح تام، ليس فيه لين ولا خجل، لاضطر لتحمل مسؤولية نفسه، ولفرض على لسانه لجام محكم، ولتعامل بإنسانية.
لذا كفانا نمنح المبررات التي تؤلمنا شيء من الموافقة، إذ إن الخلل في سلوك الآخر ليس مسؤوليته وحده، فأنت حين تتغافل، أو تسامح على الدوام، دون أن يكون لك رد فعل، وتمارس حقك بالرفض، وترفض أن تعامل بقسوة، بأيّ حجة كانت، حين تفعلها فأنت تؤدي ما عليك، وتخلي مسؤوليتك من تفاقم الوضع، وتجاوزات الطرف الآخر.
وماذا عن صاحب مقولة: لسانه طويل، لكن قلبه طيب!.
تقال تلك الجملة لتسامح من يجرح ويتحدث دون رادع، أو تفكير.. ولو تعمقنا قليلاً في الجملة، رغم تكرارها، فما لك ولقلبه! ويقصد بقلبه أنه طيب، لكن كلماته ليست طيبة، بل شرسة، وتضرب على أشد وتر يمكنه أن يؤلم، وإذا نزعنا عن تلك الجملة قداسة الاعتياد عليها، فإن الحقيقة، أن الكلمات هي ترجمة المشاعر التي يتقنها الإنسان دوناً عن كل المخلوقات، فلماذا نضطر إلى ترجمة الكلمات القاسية بقاموس ناعم، وهي أشواك منطلقة، لا تترك شيئاً أمامها دون أن تدميه!.
كفانا عبثاً، ولنفرض الاحترام في علاقاتنا دون مبرر لهتكه أو تجاوزه.