أصدر مركز تاريخ البحر الأحمر وغرب المملكة التابع لدارة الملك عبدالعزيز كتاب «الأهمية الاستراتيجية للبحر الأحمر في العصر الأيوبي (567 - 648هـ/ 1171 - 1250هـ)» للأستاذ شهلا بنت سعد الخالدي من قسم التاريخ بجامعة الملك سعود، وتناول الكتاب عددا من الموضوعات المتكاملة عن أحوال هذا المسطح المائي (سمي بأسماء عدّة منها بحر الحجاز والبحر الإرتيري وبحر جدة وبحر القلزم) السياسية والتجارية خلال ثمانية عقود في ظل الدولة الأيوبية، لأهميته الدينية حيث إنه الدرب البحري الوحيد الذي يوصل المسلمين بالأماكن المقدسة، وكونه أصبح مسارًا تجاريًا دوليًا مزدهرًا له قيمته في التبادل التجاري بين المشرق والمغرب، ونتيجة هذه الأهمية حرص الأيوبيون حرصاً كبيرًا على تأمينه، وحفظ سلامته بغرض خدمة الحجاج والمعتمرين وفي ظل التصعيد العدائي في المنطقة، وذلك من خلال إحجام السيطرة على البلاد المطلة عليه وهي اليمن وبلاد الحجاز وبلاد النوبة ومصر والشام، وصد الهجمات عليه من قبل أعداء الدولة الأيوبية باتخاذ عدد من الإجراءات منها تقوية الأسطول البحري الإسلامي، وتحصين ثغور البحر الأحمر، وبناء القلاع والحصول في مناطقه الاستراتيجية.
ويذكر الكتاب طرق الحج عبر هذا اللسان البحري، من ضمنها طريق الطور - جدة، وطريق القلزم - الجار، وطريق عيذاب - جدة، وموانئه المهمة في ذلك العصر، كما يستعرض العوامل الاقتصادية التي أدت إلى ازدهار البحر الأحمر تجاريًا ومن أهم دلالاته انتعاش حركة الصادرات والواردات بين بلدانه ومدنه والعالم، وكان من أهم ما تصدره منطقة البحر الأحمر الصناعات الجلدية، والرخام، والمعادن من الذهب والفضة والمغناطيس والحديد والنحاس والرصاص وغيرها، والعوامل السياسية ومن أبرزها الاستحكام الأمني الذي فرضته الدولة الأيوبية على مناطق البحر الأحمر وتشجيع الأيوبيين للتجار الأجانب، وتقديم التسهيلات لهم لإنعاش الوضع المالي والاقتصادي للدولة وغيرها من الأسباب لعل أهمها موسم الحج الذي تنتعش معه أسواق الحجاز بصفة خاصة والجزيرة العربية ومصر والنوبة بصفة عامة.
ومن المعالم التجارية التي تطرق لها الإصدار بالتفصيل؛ الأسواق التجارية الموسمية، والسنوية، والدائمة في بلدان البحر الأحمر ومن تلك الأسواق أسواق في عدن ومكة وأيله وعيذاب وجدة وصعيد مصر والقاهرة والإسكندرية، كما تطرق إلى «الفنادق» التي هي مبانٍ فخمة ورسمية تخصصها الدولة الأيوبية لسكن التجار الأجانب ومنهم الأوروبيون، وازدهر إنشاء الفنادق في ذلك العصر حتى قيل إن مدينة الإسكندرية كان فيها آنذاك ثلاثون فندقاً، كما كان في جدة فندقاً اسمه فندق «الكارمية»، وقد يكون أول فندق بالمعنى والاسم الحديثين في تاريخها.
الكتاب جمع بين مكانة البحر الأحمر الدينية والسياسية والعسكرية والاقتصادية ومظاهرها المختلفة في حقبة تاريخية مهمة من التاريخ الإسلامي التي شهدت كثيراً من التهديدات والاصطدامات الخطيرة.