عبده الأسمري
الحرية مطلب إنساني ومتطلب سلوكي، لا ينفصل عن التكوين البشري، ويُعد من الحاجات الأساسية للإنسان..
وقد وظَّف الشرع لنا نحن المسلمين الحرية بنظام دقيق جدًّا، يضمن للفرد والجماعة استخدام هذا المفهوم في إطارات مقننة ومتقنة، تسير به إلى سواء «السبيل» مستخدمًا «العيش الكريم» كدليل يكفل للإنسان الاستقرار في تعاملاته وسلوكياته وردود أفعاله وتعاطيه مع المتطلبات والمطالب.
منذ سنوات عمرنا الأولى تعلمنا حدود الحرية، وخطوطها الخضراء المفتوحة، والحمراء الممنوعة، وسقفها المحدد تحت كيان «الأسرة»، وسارت بنا المنظومة لتلقي دروس الحرية في مدارسنا تحت سلطة «القيادة المدرسية». كبرنا، وكبرت معنا الحدود، ورسمنا خارطة الحياة بخطوط «النجاة» من الفتن، ثم «حكنا» رداء التعاطي مع المعطيات والمثيرات والشبهات بخيوط «الثبات» في ظل موازنة «نفسية»، تخضع لمراقبة الذات، ورقابة «النظام».. ومرت السنون ونحن في تمدُّد عبر ساحات «الحرية» وفق «هوية» لا تقبل «التشويه»، ولا تتقبل «التمويه»، حتى أصبحنا ندير عقولنا بتحكم ذاتي مذهل، يجعلنا «حكماء» و»عقلاء» على خط المواجهة مع «الفتن»، وفي محك المعركة مع المتغيرات.
منذ زمن ظهر لدينا من مَزج الثقافة والفكر بالحرية حتى دخل إلى متاهات «الإلحاد»، ووقع في بؤر «الردة»، بعد أن حاول لبس رداء «الشهرة» على حساب الثوابت؛ فارتمى في «غيابة» السب و»غياهب» المنكر، وسقط في قبو سحيق من الجهل، جعله «عبرة» للآخرين، ودرسًا للمتشابهين معه بعد أن بنى سقف «حريته» على جدران هشة من «اللامنطق»، واستعان بلبنات «فاسدة» لبنائها معتمدًا على «تصفيق» الراقصين في ساحات الباطل، وكانت «النتيجة» فسادًا في الطريقة، وكسادًا في العاقبة.
ثم امتهن بعض اللاهثين وراء «الأدلجة»، والفارغين «عقليًّا»، والمارقين من حدود «الحق» إلى تسمية أنفسهم بالنشطاء؛ فأعدوا «حبال» المكر، وعقدوا «حبائل» السوء، ومضوا يصطادون «القابلين» للتغرير والتسيير لضمهم إلى معسكر «خيانة الذات والوطن والذمة» حتى جمعوا فرقهم في ظلام «السر» ووسط «اجتماعات» النكران؛ فتعالت أبواقهم من الخارج «بائعين» ضمائرهم بثمن بخس حتى انقلبت الحيل عليهم، وانكشفت مخططاتهم؛ فتكتفوا بحبالهم، وأصبحوا في «دائرة» الإدانة بعد أن وقعوا في ويلات «الإهانة» والخذلان والذل والخسران.
هنالك مَن أساء استخدام الحرية، سواء في حياته أو ممارساته أو تعاملاته؛ إذ ربطها بعضهم بشهرة «وهمية»، وآخرون استخدموها كسهم «مسموم» لإصابة «الاعتدال» في مقتل، ونوع أخير جعلها «ضالة» لتنفيذ مآربه، ولتشويه صورة العدل، وتضليل منطقية «الكرامة»، وتأويل مفاهيم «المطالب»؛ فظهرت لدينا «نماذج» بائسة مثيرة «للسخرية» تحت عنوان «منادون بالحرية»، وضعوا نقاطهم «السوداء»، ونفثوا «أنفاسهم» المعتمة على «بياض» التحضر و»نقاء» التطور؛ فبانت «وجوههم» بعد أن انكشفت «الأقنعة»، وانهزم «زيف» آرائهم، واندحر «تزييف» أفكارهم؛ فكانوا «أعداء» حقيقيين للحرية؛ لأنهم أقاموا جدرانها وفق رؤية العزة بالإثم، وسطوة «الأنا» المريضة بالوهم.
الحرية أسلوب «حياة»، يستند إلى أسس، وينطلق من ثوابت، ويسير في تغيُّر، ويتمدد وفق أصول.. هنالك مَن تلبس به وهو متجمد «العقل»؛ فكانت النتيجة انشقاقًا بين المنطلق والمنطق، ونتيجة عكسية سلبية متأرجحة بين الاقتناع والامتناع.. والبعض أقام بناء الحرية وفق أرضية أهداف شخصية «بحتة»، وآخرون خالفوا الفطرة «السوية» بالحرية التغريبية التي تعارض النسق الاجتماعي والسياق المجتمعي..
الحرية «مكفولة» لكل مَن صاغها بتنظيم مقترن بالحقوق المشروعة. والنتائج «كفيلة» بالتعايش مع تغييرات حدودها، والعيش بأمان تحت سقفها الذي يجب أن يكون مقامًا على جدران متينة، وأسس رأسية، قوامها «العقل»، ومقامها «الرقي»؛ لتستقيم حتى لا يسقط السقف، ويتساوى بالأرضية؛ وهو ما يؤكد الفشل في البناء والجهل بالبنية.